وأنه تعالى ارسل إليهم منذرين عل وجه الاجمال ثم أورد قصص كل واحد منهم على وجه التفصيل مبينا في كل قصة منها أنهم من عباده تعالى واصفا لهم تارة بالإخلاص وأخرى بالايمان ثم امره صلى الله عليه وسلم ههنا بتبكيتهم بطريق الاستفتاء عن وجه أمر منكر خارج عن العقول بالكلية وهي القسمة الباطلة اللازمة لما كانوا عليه من الاعتقاد الزائغ حيث كانوا يقولون كبعض أجناس العرب جهينة وبنى سلمة وخزاعة وبنى مليح الملائكة بنات الله والفاء لترتيب الامر على ما سبق من كون أولئك الرسل الذين هم أعلام الخلق عليهم الصلاة والسلام عباده تعالى فإن ذلك مما يؤكد التبكيت ويظهر بطلان مذهبهم الفاسد ثم تبكيتهم بما يتضمنه كفرهم المذكور من الاستهانة بالملائكة بجعلهم إناثا ثم أبطل أصل كفرهم المنطوى على هذين الكافرين وهو نسبة الولد إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ولم ينظمه في سلك التبكيت لمشاركتهم النصارى في ذلك أي فاستخبرهم «ألربك البنات» اللاتي هن أوضع الجنسين «ولهم البنون» الذين هم أرفعهما فإن ذلك مما لا يقول به من له أدنى شئ من العقل وقوله تعالى «أم خلقنا الملائكة إناثا» إضراب وانتقال من التبكيت بالاستفتاء السابق إلى التبكيت بهذا كما أشير إليه أي بل أخلقنا الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق وأبعدهم من صفات الأجسام ورذائل الطبائع إناثا والأنوثة من أخس صفات الحيوان وقوله تعالى «وهم شاهدون» استهزاء بهم وتجهيل لهم كقوله تعالى اشهدوا خلقهم وقوله تعالى ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض والا خلق أنفسهم فإن أمثال هذه الأمور لا تعلم بالمشاهدة إذ لا سبيل إلى معرفتها بطريق العقل وانتفاء النقل مما لا ريب فيه فلا بد ان يكون القائل بأنوثتهم شاهدا عند خلقهم والجملة إما حال من فاعل خلقنا أي بل أخلقناهم إناثا والحال انهم حاضرون حينئذ أو عطف على خلقنا أي بل أهم شاهدون وقوله تعالى «ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله» استئناف من جهته غير داخل تحت الامر بالاستفتاء مسبوق لإبطال أصل مذهبهم الفاسد ببيان ان مبناه ليس إلا الإفك الصريح والافتراء القبيح من غير ان يكون لهم دليل أو شبهة قطعا «وإنهم لكاذبون» في قولهم ذلك كذبا بينا لا ريب فيه وقرئ ولد الله على انه خبر مبتدأ محذوف أي الملائكة ولده تعالى عن ذلك علوا كبيرا فإن الولد فعل بمعنى مفعول يستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث «أصطفى البنات على البنين» إثبات لإفكهم وتقرير لكذبهم فيما قالوا ببيان استلزامه لأمر بين الاستحالة هو اصطفاؤه تعالى البنات على البنين والاصطفاء أخذ صفوة الشئ لنفسه وقرئ بكسر الهمزة على حذف حرف الاستفهام
(٢٠٧)