أوليا مع ما فيه من تحقيق الحق ببيان ان جميع ما يعملونه كائنا ما كان مخلوق له سبحانه وقيل ما مصدرية أي عملكم على انه بمعنى المفعول وقيل بمعناه فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك «قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم» أي في النار الشديدة الاتقاد من الجحمة وهي شدة التأجج واللام عوض من المضاف اليه أي جحيم ذلك البنيان وقد ذكر كيفية بنائهم له في سورة الأنبياء «فأرادوا به كيدا» فإنه عليه الصلاة والسلام لما قهرهم بالحجة وألقمهم الحجر قصدوا ما قصدوا لئلا يظهر للعامة عجزهم «فجعلناهم الأسفلين» الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شأنه عليه الصلاة والسلام بجعل النار عليه بردا وسلاما «وقال إني ذاهب إلى ربي» أي مهاجر إلى حيث امرني ربي كما قال إني مهاجر إلى ربى وهو الشام أو إلى حيث أتجرد فيه لعبادته تعالى «سيهدين» أي إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي وبت القول بذلك لسبق الوعد أو لفرط توكله وللبناء على عادته تعالى معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه السلام حيث قال عسى ربى ان يهديني سواء السبيل ولذلك اتى بصيغة التوقع «رب هب لي من الصالحين» أي بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسنى في الغربة يعنى الولد لأن لفظ الهبة على الاطلاق خاص به وإن كان قد ورد مقيدا بالاخوة في قوله تعالى ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ولقوله تعالى «فبشرناه بغلام حليم» فإنه صريح في أن المبشر به عين ما استوهبه عليه الصلاة والسلام ولقد جمع فيه بشارات ثلاث بشارة انه غلام وأنه يبلع أو ان الحلم وانه يكون حليما وأي حلم يعادل حلمه عليه الصلاة والسلام حين عرض عليه يا أبت أبوه الذبح فقال يأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين وقيل ما نعت الله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأقل مما نعتهم بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وأبنه فإنه تعالى نعتهما به وحالهما المحكية بعد أعدل بينة بذلك والفاء في قوله تعالى «فلما بلغ معه السعي» فصيحة معربة عن مقدر قد حذف تعويلا على شهادة الحال وإيذانا بعدم الحاجة إلى التصريح
(١٩٩)