«هو الذي يصلي عليكم» الخ استئناف جار مجري التعليل لما قبله من الامرين فإن صلاته تعالى عليهم مع عدم استحقاقهم لها وغناه عن العالمين مما يوجب عليهم المداومة على ما يستوجبه تعالى عليهم من ذكره تعالى وتسبيحه وقوله تعالى «وملائكته» عطف على المستكن في يصلي لمكان الفصل المغني عن التأكيد بالمنفصل لكن لا على ان يراد بالصلاة الرحمة أولا والاستغفار ثانيا فإن استعمال اللفظ الواحد في معنيين متغايرين مما لا مساغ له بل على ان يراد بهما معنى مجازي عام يكون كلا المعنيين فردا حقيقيا له وهو الاعتناء بما فيه خيرهم وصلاح امرهم فإن كلا من الرحمة والاستغفار فرد حقيقي له أو الترحم والانعطاف المعنوي المأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود ولا ريب في ان استغفار الملائكة ودعاءهم للمؤمنين ترحم عليهم واما ان ذلك سبب للرحمة لكونهم مجابي الدعوة كما قيل فاعتباره ينزع إلى الجمع بين المعنيين المتغايرين فتدبر «ليخرجكم من الظلمات إلى النور» متعلق بيصلي أي يعتني بأموركم هو وملائكته ليخرجكم بذلك من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة وقوله تعالى «وكان بالمؤمنين رحيما» اعتراض مقرر لمضمون ما قبله أي كان بكافة المؤمنين الذين أنتم من زمرتم رحيما ولذلك يفعل بكم ما يفعل من الاعتناء بإصلاحكم بالذات وبالواسطة ويهديكم إلى الايمان والطاعة أو كان بكم رحيما على ان المؤمنين مظهر وضع موضع المضمر مدحا لهم واشعارا بعلة الرحمة وقوله تعالى «تحيتهم يوم يلقونه سلام» بيان للاحكام الآجلة لرحمة الله تعالى بهم بعد بيان آثارها العاجلة التي هي الاعتناء بأمرهم وهدايتهم إلى الطاعة أي ما يحيون به على انه مصدر أضيف إلى مفعوله يوم لقائه عند الموت أو عند البعث من القبور أو عند دخول الجنة تسليم عليهم من الله عز وجل تعظيما لهم أو من الملائكة بشارة لهم بالجنة أو تكرمة لهم كما في قوله تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم أو اخبار بالسلامة عن كل مكروه وآفة وقوله تعالى «وأعد لهم أجرا كريما» بيان لآثار رحمته الفائضة عليهم بعد دخول الجنة عقيب بيان آثار رحمته الواصلة إليهم قبل ذلك ولعل ايثار الجملة الفعلية على الاسمية المناسبة لما قبلها بأن يقال مثلا وأجرهم اجر كريم أو ولهم اجر كريم للمبالغة في الترغيب والتشويق إلى الموعود ببيان ان الاجر الذي هو المقصد الأقصى من بين سائر آثار الرحمة موجود بالفعل مهيأ لهم مع ما فيه من مراعاة الفواصل «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا» على من بعثت إليهم تراقب أحوالهم وتشاهد اعمالهم وتتحمل منهم الشهادة بما صدر عنهم من التصديق والتكذيب وسائر ما هم عليه من الهدى والضلال وتؤديها يوم القيامة أداء مقبولا
(١٠٧)