أخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه، فقال لي أبو بكر: بنية في كل سفر تكونين عناء وبلاء على الناس، فأنزل الله الرخصة في التيمم فقال أبو بكر إنك لمباركة.
تنبيهان: (الأول) ساق البخاري هذا الحديث من رواية عمرو بن الحرث وفيه التصريح بأن آية التيمم المذكورة في رواية غيره هي آية المائدة، وأكثر الرواة قالوا: فنزلت آية التيمم ولم يبينوها، وقد قال ابن عبد البر: هذه معضلة ما وجدت لدائها دواء لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة، وقد قال ابن بطال: هي آية النساء ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر للوضوء بها فيتجه تخصيصها بآية التيمم وأورد الواحدي هذا الحديث في أسباب النزول عند ذكر آية النساء أيضا ولا شك أن الذي مال إليه البخاري من أنها آية المائدة هو الصواب للتصريح بها في الطريق المذكور.
(الثاني) دل الحديث على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول الآية ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.
قال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء ولا يدفع ذلك إلا جاحد أو معاند. قال: والحكمة في نزول آية الوضوء ما تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل. وقال غيره:
يحتمل أن يكون أول الآية نزل مقدما مع فرض الوضوء، ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة. قلت: الأول أصوب فان فرض الوضوء كان مع فرض الصلاة بمكة، والآية مدنية.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله) * [11] الآية. أخرج ابن جرير عن عكرمة ويزيد بن أبي زياد واللفظ له: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على كعب بن الأشرف ويهود بني النضير يستعينهم في عقل أصابه، فقالوا: نعم اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس فقال حيي بن أخطب