ولا يقطعون على الكائن منها، وكان الله يعلم الكائن منها على الصحة صارت لها نسبتان:
نسبة إلى الله تعالى، تسمى نسبة قطع ويقين، ونسبة إلى المخلوق، وتسمى نسبة شك وظن، فصارت هذه الألفاظ لذلك ترد تارة بلفظ القطع بحسب ما هي عليه عند الله، كقوله: * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) *.
وتارة بلفظ الشك بحسب ما هي عليه عند المخلوقين، كقوله: * (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده) *، * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *.
وقوله: * (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) *، وقد علم الله حين أرسلهما ما يفضى إليه حال فرعون، لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع; فكأنه قال: انهضا لا إليه وقولا في نفوسكما، لعله يتذكر أو يخشى.
ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك، والعرب قد تخرج الكلام المتيقن في صورة المشكوك; لأغراض، فتقول: لا تتعرض لما يسخطني، فلعلك إن تفعل ذلك ستندم; وإنما مراده أنه يندم لا محالة، ولكنه أخرجه مخرج الشك تحريرا للمعنى، ومبالغة فيه; أي أن هذا الأمر لو كان مشكوكا فيه لم يجب أن تتعرض له; فكيف وهو كائن لا شك فيه!
وبنحو من هذا فسر الزجاج قوله تعالى: * (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) *.
وأما قوله: * (لعلى أبلغ الأسباب) *، فاطلاعه إلى الإله مستحيل، فبجهله اعتقد في المستحيل الإمكان; لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان.