الذكر هذه المشاهدات العشر، فعندها لا تمل المناجاة، لوجود المصافاة، وعلم كيف تجلى له تلك الصفات الإلهية في طي هذه الأدوات، ولولا استتار كنه جمال كلامه بكسوة الحروف، لما ثبت لسماع الكلام عرش ولا ثرى، ولا تمكن منه لفهم عظيم الكلام إلا على حد فهم الخلق، فكل أحد يفهم عنه بفهمه الذي قسم له، حكمة منه.
قال بعض العلماء: في القرآن ميادين وبساتين، ومقاصير وعرائس، وديابيج ورياض، فالميمات ميادين القرآن، والراءات بساتين القرآن، والحاءات غير مقاصير القرآن، والمسبحات عرائس القرآن، والحواميم ديابيج القرآن، والمفصل رياضه، وما سوى ذلك. فإذا دخل المريد في الميادين، وقطف من البساتين، ودخل المقاصير، وشهد العرائس، ولبس الديابيج، أحمد وتنزه في الرياض، وسكن غرفات المقامات اقتطعه عما سواه، وأوقف ما يراه، وشغله المشاهد له عما عداه; ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اعرفوا القرآن والتمسوا غرائبه، وغرائبه فروضه وحدوده; فإن القرآن على خمسة: حلال، وحرام، ومحكم، وأمثال، ومتشابه، فخذوا الحلال، ودعوا الحرام، واعملوا بالمحكم، وآمنوا بالتمشابه، واعتبروا بالأمثال ".
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لا يفقه الرجل حتى يجعل للقرآن وجوها. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن.
قال ابن سبع في كتاب " شفاء الصدور " هذا الذي قال أبو الدرداء وابن مسعود لا يحصل بمجرد تفسيره الظاهر; وقد قال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف، فهم وما بقي من فهمه أكثر. وقال آخرون: القرآن يحتوى على سبعة وسبعين ألف علم، إذ لكل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعا، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن، وحد ومطلع.
وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله وصفاته، وفى القرآن شرح ذاته وصفاته وأفعاله.