وفى كتاب " فضائل القرآن " لأبى عبيد عن أبي وائل، قيل لابن مسعود: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا، فقال: ذاك منكوس القلب. رواه البيهقي.
وأما ترتيب السور على ما هو عليه الآن فاختلف: هل هو توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من فعل الصحابة، أو يفصل؟ في ذلك ثلاثة أقوال:
مذهب جمهور العلماء; منهم مالك، والقاضي أبو بكر بن الطيب - فيما اعتمده واستقر عليه رأيه من [أحد] قوليه - إلى الثاني، وأنه صلى الله عليه وسلم فوض ذلك إلى أمته بعده.
وذهبت طائفة إلى الأول; والخلاف يرجع إلى اللفظ، لأن القائل بالثاني يقول: إنه رمز إليهم بذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته; ولهذا قال الإمام مالك: إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله بأن ترتيب السور اجتهاد منهم. فآل الخلاف إلى أنه: هل ذلك بتوقيف قولي أم بمجرد استناد فعلى، وبحيث بقي لهم فيه مجال للنظر. فإن قيل: فإذا كانوا قد سمعوه منه، كما استقر عليه ترتيبه ففي ماذا أعملوا الأفكار؟ وأي مجال بقي لهم بعد هذا الاعتبار؟ قيل: قد روى مسلم في صحيحه عن حذيفة قال:
" صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح سورة البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلى بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران... " الحديث. فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما فعل هذا إرادة للتوسعة على الأمة، وتبيانا لجليل تلك النعمة كان محلا للتوقف، حتى استقر النظر على رأى ما كان من فعله الأكثر. فهذا محل اجتهادهم في المسألة.
والقول الثالث، مال إليه القاضي أبو محمد بن عطية: أن كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وأشاروا إلى أن ما سوى ذلك يمكن أن يكون فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده.