(فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا) أي من طين. وهذا استفهام إنكار.
وقد تقدم القول في خلق آدم في " البقرة، والانعام (1) " مستوفى. (قال أرأيتك) أي قال إبليس. والكاف توكيد للمخاطبة. (هذا الذي كرمت على) أي فضلته على. ورأى جوهر النار خيرا من جوهر الطين ولم يعلم أن الجواهر متماثلة. وقد تقدم هذا في الأعراف (1).
و " هذا " نصب بأرأيت. " الذي " نعته. والاكرام: اسم جامع لكل ما يحمد. وفى الكلام حذف تقديره: أخبرني عن هذا الذي فضلته على، لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين؟ فحذف لعلم السامع. وقيل: لا حاجة إلى تقدير الحذف، أي أترى هذا الذي كرمته على لأفعلن به كذا وكذا. ومعنى (لاحتنكن) في قول ابن عباس: لاستولين عليهم. وقاله الفراء. مجاهد: لأحتوينهم. ابن زيد: لأضلنهم. والمعنى متقارب، أي لأستأصلن ذريته بالاغواء والاضلال، ولأجتاحنهم. وروى عن العرب: احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله. وقيل: معناه لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت.
ومن قولهم: حنكت الفرس أحنكه وأحنكه حنكا إذا جعلت في فيه الرسن. وكذلك احتنكه. والقول الأول قريب من هذا، لأنه إنما يأتي على الزرع بالحنك. وقال الشاعر:
أشكو إليك سنة قد أجحفت * جهدا إلى جهد بنا وأضعفت * واحتنكت أموالنا واجتلفت (2) * (إلا قليلا) يعنى المعصومين، وهم الذين ذكرهم الله في قوله: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " وإنما قال إبليس ذلك ظنا، كما قال الله تعالى: " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه (3) " أو علم من طبع البشر تركب الشهوة فيهم، أو بنى على قول الملائكة: " أتجعل فيها من يفسد (1) فيها ". وقال الحسن: ظن ذلك لأنه وسوس إلى آدم عليه السلام فلم يجد له عزما.
قوله تعالى: قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا (63)