قلت: فالآية على هذا محكمة لا نسخ فيها. وقالت طائفة: الخطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل (1): إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه، فأمر بالسواك ورفع عنه الوضوء إلا من حدث. وقال علقمة بن الفغواء عن أبيه - وهو من الصحابة، وكان دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك: نزلت هذه الآية رخصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان لا يعمل عملا إلا وهو على وضوء، ولا يكلم أحدا ولا يرد سلاما إلى غير ذلك، فأعلمه الله بهذه الآية أن الوضوء إنما هو للقيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال. وقالت طائفة:
المراد بالآية الوضوء لكل صلاة طلبا للفضل، وحملوا الامر على الندب، وكان كثير من الصحابة منهم ابن عمر يتوضئون لكل صلاة طلبا للفضل، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد، إرادة البيان لامته صلى الله عليه وسلم.
قلت: وظاهر هذا القول أن الوضوء لكل صلاة قبل ورود الناسخ كان مستحبا لا إيجابا وليس كذلك، فإن الامر إذا ورد، مقتضاه الوجوب، لا سيما عند الصحابة رضوان الله عليهم، على ما هو معروف من سيرتهم. وقال آخرون: إن الفرض في كل وضوء كان لكل صلاة ثم نسخ في فتح مكة، وهذا غلط لحديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وأن أمته كانت على خلاف ذلك، وسيأتي، ولحديث سويد ابن النعمان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو بالصهباء (2) العصر والمغرب بوضوء واحد، وذلك في غزوة خيبر، وهي سنة ست، وقيل: سنة سبع، وفتح مكة كان في سنة ثمان، وهو حديث صحيح رواه مالك في موطئه، وأخرجه البخاري ومسلم، فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلاة. فإن قيل: فقد روى مسلم عن بريدة بن الحصيب (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر رضي الله عنه: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن