الثالثة - قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) [ذكر تعالى أربعة أعضاء: الوجه وفرضه الغسل واليدين كذلك والرأس وفرضه المسح اتفاقا واختلف في الرجلين على ما يأتي، لم يذكر سواها فدل ذلك على أن ما عداها آداب وسنن. والله [أعلم] (1) ولا بد في غسل الوجه من نقل الماء إليه، وإمرار اليد عليه، وهذه حقيقة الغسل عندنا، وقد بيناه في " النساء " (2). وقال غيرنا: إنما عليه إجراء الماء وليس عليه دلك بيده، ولا شك أنه إذا انغمس الرجل في الماء وغمس وجهه أو يده ولم يدلك يقال: غسل وجهه ويده، ومعلوم أنه لا يعتبر في ذلك غير حصول الاسم، فإذا حصل كفى. والوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة، وهو عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض، فحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين، ومن الاذن إلى الاذن في العرض، وهذا في الأمرد، وأما الملتحي فإذا اكتسى الذقن بالشعر فلا يخلو أن يكون خفيفا أو كثيفا، فإن كان الأول بحيث تبين منه البشرة فلا بد من إيصال الماء إليها، وإن كان كثيفا فقد انتقل الفرض إليه كشعر الرأس، ثم ما زاد على الذقن من الشعر واسترسل من اللحية، فقال سحنون عن ابن القاسم: سمعت مالكا سئل: هل سمعت بعض أهل العلم يقول إن اللحية من الوجه فليمر عليها الماء؟ قال: نعم، وتخليلها في الوضوء ليس من أمر الناس، وعاب ذلك على من فعله. وذكر ابن القاسم أيضا عن مالك قال: يحرك المتوضئ ظاهر لحيته من غير أن يدخل يده فيها، قال: وهي مثل أصابع الرجلين. قال ابن عبد الحكم: تخليل اللحية واجب في الوضوء والغسل. قال أبو عمر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلل لحيته في الوضوء من وجوه كلها ضعيفة. وذكر ابن خويزمنداد: أن الفقهاء اتفقوا على أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء، إلا شئ روى عن سعيد بن جبير، قوله: ما بال الرجل يغسل لحيته قبل أن تنبت فإذا نبتت لم يغسلها، وما بال الامرد يغسل ذقنه ولا يغسله ذو اللحية؟ قال الطحاوي: التيمم واجب فيه مسح البشرة قبل نبات الشعر في الوجه ثم سقط بعده عند جميعهم. فكذلك الوضوء. قال أبو عمر: من جعل غسل اللحية كلها واجبا جعلها وجها، لان الوجه مأخوذ من المواجهة، والله قد أمر بغسل الوجه أمرا مطلقا لم يخص صاحب لحية من أمرد، فوجب غسلها بظاهر القرآن لأنها بدل من البشرة.
(٨٣)