الرابعة: وفي هذا الحديث دليل على أن الغال لا يحرق متاعه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق متاع (1) الرجل الذي أخذ الشملة، ولا أحرق متاع صاحب الخرزات (2) الذي ترك الصلاة عليه، ولو كان حرق متاعه واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث. وأما ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه). فرواه أبو داود والترمذي من حديث صالح بن محمد بن زائدة، وهو ضعيف لا يحتج به. قال الترمذي: سألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد وهو أبو واقد الليثي وهو منكر الحديث.
وروى أبو داود أيضا عنه قال: غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز، فغل رجل متاعا فأمر الوليد بمتاعه فأحرق، وطيف به ولم يعطه سهمه. قال أبو داود: وهذا أصح الحديثين. وروي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه. قال أبو داود:
وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد - ولم أسمعه منه -: ومنعوه سهمه. قال أبو عمر: قال بعض رواة هذا الحديث: واضربوا عنقه وأحرقوا متاعه. وهذا الحديث يدور على صالح ابن محمد وليس ممن يحتج به. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وهو ينفي القتل في الغلول. وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع). وهذا يعارض حديث صالح بن محمد وهو أقوى من جهة الاسناد. والغال خائن في اللغة والشريعة وإذا انتفى عنه القطع فأحرى القتل. وقال الطحاوي: لو صح حديث صالح المذكور احتمل أن يكون حين كانت العقوبات في الأموال، كما قال في مانع