تلحقوا به، فأنزل الله تعالى في ذلك (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) إلى قول: " فآتاهم الله ثواب الدنيا " [آل عمران: 148]. وما نافية، وما بعدها ابتداء وخبر، وبطل عمل " ما ".
وقرأ ابن عباس " قد خلت من قبله الرسل " بغير ألف ولام. فأعلم الله تعالى في هذه الآية أن الرسل ليست بباقية في قومها أبدا، وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل وإن فقد الرسول بموت أو قتل. وأكرم نبيه صلى الله عليه وسلم [وصفيه] (1) باسمين مشتقين من اسمه:
محمد وأحمد، وتقول العرب: رجل محمود ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة، قال الشاعر:
* إلى الماجد القرم الجواد المحمد (2) وقد مضى هذا في الفاتحة (3). وقال عباس بن مرداس:
يا خاتم النبآء إنك مرسل * بالخير كل هدى السبيل هداكا إن الاله بنى (4) عليك محبة * في خلقه ومحمدا سماكا فهذه الآية من تتمة العتاب مع المنهزمين، أي لم يكن لهم الانهزام وإن قتل محمد، والنبوة لا تدرأ الموت، والأديان لا تزول بموت الأنبياء. والله أعلم.
الثانية - هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته، فإن الشجاعة والجرأة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم بيانه في " البقرة " (5) فظهرت عنده شجاعته وعلمه. قال الناس: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، واضطرب الامر فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسنح (6)، الحديث، كذا في البخاري. وفي سنن ابن ماجة عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عند امرأته ابنة خارجة بالعوالي، فجعلوا يقولون: لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعض ما كان يأخذه عند