وميل عن الدين، أفكانوا يخافون وقد هدوا أن ينقلهم الله إلى الفساد؟ فالجواب أن يكونوا سألوا إذ هداهم الله ألا يبتليهم بما يثقل عليهم من الأعمال فيعجزوا عنه، نحو " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم (1) ". قال ابن كيسان: سألوا ألا يزيغوا فيزيغ الله قلوبهم، نحو " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " (2) أي ثبتنا على هدايتك إذ هديتنا وألا نزيغ فنستحق أن تزيغ قلوبنا. وقيل: هو منقطع مما قبل، وذلك أنه تعالى لما ذكر أهل الزيغ عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في ألا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهي وأهل الزيغ.
وفى الموطأ عن أبي عبد الله الصنابحي أنه قال: قدمت المدينة في خلافة أبى بكر الصديق فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه، فسمعته يقرأ بأم القرآن وهذه الآية " ربنا لا تزغ قلوبنا " الآية. قال العلماء: قراءته بهذه الآية ضرب من القنوت والدعاء لما كان فيه من أمر أهل الردة. والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم، وفى كل صلاة أيضا إذا دهم المسلمين أمر عظيم يفزعهم ويخافون منه على أنفسهم. وروى الترمذي من حديث شهر بن حوشب قال: قلت لام سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ". فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك!
قال: " يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ". فتلا معاذ (3) " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ". قال: حديث حسن. وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم: إن الله لا يضل العباد (4). ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعي في دفع ما لا يجوز عليه فعله. وقرأ أبو واقد الجراح " لا تزغ قلوبنا " بإسناد الفعل إلى القلوب، وهذه رغبة إلى الله تعالى. ومعنى الآية على القراءتين ألا يكون منك خلق الزيغ فيها فتزيغ.