ومثله قوله تعالى: " كيف نكلم من كان في المهد (1) صبيا " [مريم: 29]. وقوله: " واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم " [الأعراف: 86] (2). وقال في موضع آخر: " واذكروا إذ أنتم قليل " (2). وروى سفيان عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة " كنتم خير أمة أخرجت للناس " قال:
تجرون الناس بالسلاسل إلى الاسلام. قال النحاس: والتقدير على هذا كنتم للناس خير أمة.
وعلى قول مجاهد: كنتم خير أمة إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. وقيل:
إنما صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة لان المسلمين منهم أكثر، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى. فقيل: هذا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني) أي الذين بعثت فيهم.
الثانية - وإذا ثبت بنص التنزيل أن هذه الأمة خير الأمم، فقد روى الأئمة من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). [الحديث] (3) وهذا يدل على أن أول هذه الأمة أفضل ممن بعدهم، وإلى هذا ذهب معظم العلماء، وأن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه ولو مرة في عمره أفضل ممن يأتي بعده، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل.
وذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة، وإن قول عليه السلام: (خير الناس قرني) ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول. وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهرين للايمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الخدود، وقال لهم: ما تقولون في السارق والشارب والزاني. وقال مواجهة لمن هو في قرنه: (لا تسبوا أصحابي). وقال لخالد ابن الوليد في عمار: (لا تسب من هو خير منك) وروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي). وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر. قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا) قلنا