والخشبية (1) - قالوا: الدنيا بين العباد سواء، لا تفاضل بينهم فيما ورثهم أبوهم آدم.
والمنية (2) - قالوا: منا الفعل ولنا الاستطاعة. وسيأتي بيان الفرقة التي زادت في هذه الأمة في آخر سورة " الانعام " (3) إن شاء الله تعالى. وقال ابن عباس لسماك الحنفي: يا حنفي، الجماعة الجماعة!! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها، أما سمعت الله عز وجل يقول:
" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (4) ويكره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال). فأوجب تعالى علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملا، وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لأهل الكتابين. هذا معنى الآية على التمام، وفيها دليل على صحة الاجماع حسبما هو مذكور في موضعه من أصول الفقه والله أعلم.
قوله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفاء حفرة من النار فأنقذكم منها). أمر تعالى بتذكر نعمه وأعظمها الاسلام واتباع نبيه محمد عليه السلام، فإن به زالت العداوة والفرقة وكانت المحبة والألفة. والمراد الأوس والخزرج، والآية تعم. ومعنى " فأصبحتم بنعمته إخوانا " أي صرتم بنعمة الاسلام إخوانا في الدين. وكل ما في القرآن " أصبحتم " معناه صرتم، كقوله تعالى: " إن أصبح ماؤكم غورا " [الملك: 30] (5) أي صار غائرا. والإخوان جمع أخ، وسمي أخا لأنه يتوخى مذهب أخيه، أي يقصده. وشفا كل شئ حرفه، وكذلك شفيره ومنه قوله تعالى:
" على شفا جرف هار " [التوبة: 109] (6). قال الراجز:
نحن حفرنا للحجيج سجله (7) * نابتة فوق شفاها بقلة