والمعتاد والثالث نادر، فخرج الكلام على الغالب. وقرأ طلحة بن مصرف وأبو عبد الرحمن السلمي وغيرهما " دمت " بكسر الدال وهما لغتان، والكسر لغة أزد السراة، من " دمت تدام " مثل خفت تخاف. وحكى الأخفش دمت تدوم، شاذا.
الثالثة - استدل أبو حنيفة على مذهبه في ملازمة الغريم بقوله تعالى: " إلا ما دمت عليه قائما " وأباه سائر العلماء، وقد تقدم في البقرة (1). وقد استدل بعض البغداديين [من علمائنا] (2) على حبس المديان بقوله تعالى: " ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما " فإذا كان له ملازمته ومنعه من التصرف، جاز حبسه. وقيل: إن معنى " إلا ما دمت عليه قائما " أي بوجهك فيهابك ويستحي منك، فان الحياء في العينين، ألا ترى إلى قول ابن عباس رضي الله عنه: لا تطلبوا من الأعمى حاجة فإن الحياء في العينين. وإذا طلبت من أخيك حاجة فانظر إليه بوجهك حتى يستحي فيقضيها. ويقال: " قائما " أي ملازما له، فإن أنظرته أنكرك. وقيل: أراد بالقيام إدامة المطالبة لا عين القيام. والدينار أصله دنار فعوضت من إحدى النونين ياء طلبا للتخفيف لكثرة استعماله. يدل عليه أنه يجمع دنانير ويصغر دنينير.
الرابعة - الأمانة عظيمة القدر في الدين، ومن عظم قدرها أنها تقوم هي والرحم على جنبتي (3) الصراط، كما في صحيح مسلم. فلا يمكن من الجواز إلا من حفظهما. وروى مسلم عن حذيفة قال حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الأمانة، قال: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) الحديث. وقد تقدم بكماله أول البقرة (4). وروى ابن ماجة حدثنا محمد ابن المصفي حدثنا محمد بن حرب عن سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة كثير ابن مرة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه