وكان بعض أهل العربية يقول: لم يكن كذب برد ظاهر، ولكن قصر عما أمر به من الطاعة، فجعل تكذيبا، كما تقول: لقي فلان العدو، فكذب إذا نكل ورجع. وذكر أنه سمع بعض العرب يقول: ليس لحدهم مكذوبة، بمعنى: أنهم إذا لقوا صدقوا القتال، ولم يرجعوا قال: وكذلك قول الله: ليس لوقعتها كاذبة.
وقوله: وسيجنبها الأتقى يقول: وسيوقى صلي النار التي تلظى التقي، ووضع أفعل موضع فعيل، كما قال طرفة:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد وقوله: الذي يؤتي ماله يتزكى يقول: الذي يعطي ماله في الدنيا في حقوق الله التي ألزمه إياها، يتزكى: يعني: يتطهر بإعطائه ذلك من ذنوبه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وما لاحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى) *.
كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى: وما لاحد من خلق الله عند هذا الذي يؤتى ماله في سبيل الله يتزكى من نعمة تجزى يعني: من يد يكافئه عليها، يقول: ليس ينفق ما ينفق من ذلك، ويعطى ما يعطى، مجازاة انسان يجازيه على يد له عنده، ولا مكافأة له على نعمة سلفت منه إليه، أنعمها عليه، ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجه الله. قال:
وإلا في هذا الموضع بمعنى لكن وقال: يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبلا، فيكون معناه: ولم يرد بما أنفق مكافأة من أحد، ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده، فكأنك قلت: وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، قال:
وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان معروفا، واستشهدوا لذلك ببيت النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل والمعنى: حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من