وإذا وجه التأويل إلى ما قلنا، احتمل الوجه الذي قاله القائلون هم الكتبة، والذي قاله القائلون هم القراء، لان الملائكة هي التي تقرأ الكتب، وتسفر بين الله وبين رسله.
وقوله: كرام بررة والبررة: جمع بار، كما الكفرة جمع كافر، والسحرة جمع ساحر، غير أن المعروف من كلام العرب إذا نطقوا بواحدة أن يقولوا: رجل بر، وامرأة برة، وإذا جمعوا ردوه إلى جمع فاعل، كما قالوا: رجل سري، ثم قالوا في جمعه: قوم سراة، وكان القياس في واحده أن يكون ساريا. وقد حكي سماعا من بعض العرب: قوم خيرة بررة، وواحد الخيرة: خير، والبررة: بر.
وقوله: قتل الانسان ما أكفره يقول تعالى ذكره: لعن الانسان الكافر ما أكفره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد.
28159 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: ما كان في القرآن قتل الانسان أو فعل بالإنسان، فإنما عني به الكافر.
28160 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان قتل الانسان ما أكفره بلغني أنه الكافر.
وفي قوله: أكفره وجهان. أحدهما: التعجب من كفره، مع إحسان الله إليه، وأياديه عنده. والآخر: ما الذي أكفره، أي أي شئ أكفره؟ القول في تأويل قوله تعالى:
* (من أي شئ خلقه * من نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء أنشره * كلا لما يقض ما أمره) *.
يقول تعالى ذكره: من أي شئ خلق الانسان الكافر ربه حتى يتكبر. ويتعظم عن طاعة ربه، والاقرار بتوحيده ثم بين جل ثناؤه الذي منه خلقه، فقال: من نطفة خلقه فقدره أحوالا: نطفة تارة، ثم علقة أخرى، ثم مضغة، إلى أن أتت عليه أحواله، وهو في رحم أمه ثم السبيل يسره يقول: ثم يسره للسبيل، يعني للطريق.
واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسره لها، فقال بعضهم: هو خروجه من بطن أمه. ذكر من قال ذلك: