التيمي، قال: ذكروا عند هذه الآية علمت نفس ما قدمت وأخرت قال: أنا مما أخر الحجاج.
وإنما اخترنا القول الذي ذكرناه، لان كل ما عمل العبد من خير أو شر فهو مما قدمه، وأن ما ضيع من حق الله عليه وفرط فيه فلم يعمله، فهو مما قد قدم من شر، وليس ذلك مما أخر من العمل، لان العمل هو ما عمله، فأما ما لم يعمله فإنما هو سيئة قدمها، فلذلك قلنا: ما أخر: هو ما سنه من سنة حسنة وسيئة، مما إذا عمل به العامل كان له مثل أجر العامل بها أو وزره. القول في تأويل قوله تعالى:
* (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك) *.
يقول تعالى ذكره: يا أيها الانسان الكافر، أي شئ غرك بربك الكريم، غر الانسان به عدوه المسلط عليه، كما:
28337 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ما غرك بربك الكريم شئ ما غر ابن آدم هذا العدو الشيطان . وقوله: الذي خلقك فسواك يقول: الذي خلقك أيها الانسان فسوى خلقك فعدلك . واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والشام والبصرة : فعدلك بتشديد الدال، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بتخفيفها وكأن من قرأ ذلك بالتشديد، وجه معنى الكلام إلى أنه جعلك معتدلا معدل الخلق مقوما، وكأن الذين قرؤوه بالتخفيف، وجهوا معنى الكلام إلى صرفك، وأما لك إلى أي صورة شاء، إما إلى صورة حسنة، وإما إلى صورة قبيحة، أو إلى صورة بعض قراباته.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن أعجبهما إلي أن أقرأ به، قراءة من قرأ ذلك بالتشديد، لان دخول في للتعديل أحسن في العربية من دخولها للعدل، ألا ترى أنك تقول: عدلتك في كذا، وصرفتك إليه، ولا تكاد تقول: عدلتك إلى كذا وصرفتك فيه، فلذلك اخترت التشديد.