والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك: التخفيف، لان ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، وقد أنكر التشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام العرب، أن يكون معروفا من كلام العرب، غير أن الفراء كان يقول: لا نعرف جهة التثقيل في ذلك، ونرى أنها لغة من هذيل، يجعلون إلا مع إن المخففة لما، ولا يجاوزون ذلك، كأنه قال: ما كل نفس إلا عليها حافظ، فإن كان صحيحا ما ذكر الفراء، من أنها لغة هذيل، فالقراءة بها جائزة صحيحة، وإن كان الاختيار أيضا إذا صح ذلك عندنا، القراءة الأخرى، وهي التخفيف، لان ذلك هو المعروف من كلام العرب، ولا ينبغي أن يترك الأعرف إلى الأنكر. وقد:
28583 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا معاذ، عن ابن عون، قال: قرأت عند ابن سيرين: إن كل نفس لما عليها حافظ فأنكره، وقال: سبحان الله، سبحان الله.
فتأويل الكلام: إذن: إن كل نفس لعليها حافظ من ربها، يحفظ عملها، ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28584 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن كل نفس لما عليها حافظ قال: كل نفس عليها حفظة من الملائكة.
28585 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن كل نفس لما عليها حافظ: حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا بن آدم قبضت إلى ربك.
وقوله: فلينظر الانسان مم خلق؟ يقول تعالى ذكره: فلينظر الانسان المكذب بالبعث بعد الممات، المنكر قدرة الله على إحيائه بعد مماته، مم خلق يقول: من أي شئ خلقه ربه؟ ثم أخبر جل ثناؤه عما خلقه منه، فقال: خلق من ماء دافق يعني: من ماء مدفوق، وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل، وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب، سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت، كقولهم: هذا سر كاتم، وهم ناصب، ونحو ذلك.