وقوله: فجعل من دون ذلك فتحا قريبا اختلف أهل التأويل في الفتح القريب، الذي جعله الله للمؤمنين دون دخولهم المسجد الحرام محلقين رؤوسهم ومقصرين، فقال بعضهم: هو الصلح الذي جرى بين رسول الله (ص) وبين مشركي قريش. ذكر من قال ذلك:
24467 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
من دون ذلك فتحا قريبا قال: النحر بالحديبية، ورجعوا فافتتحوا خيبر، ثم اعتمر بعد ذلك، فكان تصديق رؤياه في السنة القابلة.
24468 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، قوله:
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا يعني: صلح الحديبية، وما فتح في الاسلام فتح كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة وضعت الحرب، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا، فالتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالاسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، فلقد دخل في تينك السنتين في الاسلام مثل من كان في الاسلام قبل ذلك وأكثر.
24469 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فجعل من دون ذلك فتحا قريبا قال: صلح الحديبية.
وقال آخرون: عنى بالفتح القريب في هذا الموضع: فتح خيبر. ذكر من قال ذلك:
24470 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا قال: خيبر حين رجعوا من الحديبية، فتحها الله عليهم، فقسمها على أهل الحديبية كلهم إلا رجلا واحدا من الأنصار، يقال له: أبو دجانة سماك بن خرشة، كان قد شهد الحديبية وغاب عن خيبر.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه جعل لرسوله والذين كانوا معه من أهل بيعة الرضوان فتحا قريبا من دون دخولهم المسجد الحرام، ودون تصديقه رؤيا رسول الله (ص) وكان صلح الحديبية وفتح خيبر دون ذلك، ولم يخصص الله تعالى ذكره خبره ذلك عن فتح من ذلك دون فتح، بل عم ذلك، وذلك كله فتح جعله الله من دون ذلك.
والصواب أن يعم كما عمه، فيقال: جعل الله من دون تصديقه رؤيا رسول الله (ص)