وإطارها، أكثر من الدخول في تفصيلات واسعة، ولهذا نشاهد السور القصيرة تمثل المرحلة الأولى تقريبا من مراحل القسم المكي.
وهذه الابعاد لم تكن تتوفر في مجتمع المدينة بعد أن أصبح الاسلام هو الحاكم المسيطر على المجتمع، وبعد ان أصبحت مسألة الوحي والاتصال بالسماء مسألة واضحة، وبعد ان جاء دور آخر للمعركة يفرض أسلوبا آخر في العرض والبيان.
ومن هذا الدرس لخصائص ومميزات القسم المكي تتضح مبررات خصائص القسم المدني، من الدخول في تفصيلات الأحكام الشرعية والأنظمة الاجتماعية، أو مناقشة أهل الكتاب في عقائدهم وانحرافاتهم، حيث فرضته ظروف الحكم في المدينة.
وكذلك معالجة موقف المشركين، وقضية الجهاد والقتال معهم، واتخاذ المواقف السياسية والاجتماعية تجاههم.
والحديث عن ظاهرة النفاق في المجتمع الاسلامي، وأسبابها والمواقف تجاهها، وتوضيح طبيعة العلاقات السياسية في المجتمع، وموقع ولي الأمر فيها والحاجة إلى تنظيم العلاقات بين الناس، كل ذلك يفرض الحاجة إلى بيان هذه التفصيلات في التشريعات والأنظمة.
كما أن المعركة في المدينة انتقلت من الأصول والأسس العامة للعقيدة إلى جوانب تفصيلية منها، ترتبط بحدودها واشكالها وبالعمل على تقويم الانحراف الذي وضعه أهل الكتاب فيها، والأمراض التي يبتلى بها المجتمع في ظل الحكم الجديد، والضغوط التي يواجهها من قبل الأنظمة الأخرى.
وبهذا نفسر الفرق بين المكي والمدني، بالشكل الذي ينسجم مع فكرتنا عن الهدف الأصيل للقرآن، وفكرتنا عن مراعاته للظروف من اجل تحقيق أهدافه وغاياته.