أصل عملية الجمع والتدوين تمت في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وحينئذ فان القرآن الذي تم جمعه في عهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لا يمكن أن يكون إلا دقيقا ومتقنا لرعاية الرسول لجمعه، ومع وجود هذا القرآن لا مجال لان نتصور وقوع الغفلة أو الاشتباه من الشيخين أو من غيرهما، كما لا يمكن ان نحتمل عدم وصول بعض الآيات إليهم.
ب - توفر عوامل عديدة لوجود القرآن الكريم بأكمله لدى جماعة كبيرة من المسلمين، وهذا يشكل ضمانة حقيقية لوصول القرآن الكريم بكامله إلى الدولة في عهد الشيخين دون نقيصة، وهذه العوامل يمكن أن نلخصها بالأسباب التالية:
1 - إن القرآن الكريم يعتبر من أروع النصوص الأدبية وأبلغها تعبيرا ومضمونا، وقد كان العرب ذوي اهتمام بالغ بهذه النصوص، لأنها تكون ثقافتهم الخاصة سواء في الناحية التعبيرية أو في الناحية الفكرية والاجتماعية، ونجد آثار هذا الاهتمام ينعكس على حياتهم الخاصة والعامة، فيحفظون الشعر العربي والنصوص الأدبية الأخرى ويستظهرونها، ويعقدون الندوات والأسواق للمباراة والتنافس في هذه المجالات، وقد يصل بهم الاهتمام إلى درجة الاحتفاظ ببعض النصوص في أماكن مقدسة تعبيرا عن التقدير والاعجاب بهذا النص، كما يذكر ذلك بالنسبة إلى المعلقات السبع أو العشر في الكعبة الشريفة.
وقد دفعت هذه العادة الشائعة بين العرب المسلمين - حينذاك - كثيرا منهم إلى لفظ القرآن الكريم واستظهاره.
2 - إن القرآن الكريم كان يشكل بالنسبة إلى المسلمين حجر الزاوية الرئيسة في ثقافتهم وافكارهم وعقيدتهم، وقد تعرفنا على ذلك في النقطة الأولى من طبيعة الأشياء التي سقناها لابراز مدى اهتمام المسلمين بالقرآن.
وكما أن هذا الامر دفع النبي (صلى الله عليه وآله) لتدوين القرآن الكريم لحفظه من الضياع،