فان هاتين الآيتين اللتين جاء المقطع في سياقهما تشيران إلى وجود حكمة الهية من وراء تأخير العذاب وعدم التعجيل به مع استحقاق الظالمين له، مع أنه قد يبدو في النظرة السطحية الانسانية ان التعجيل بالعذاب أوفق بالمصلحة، حيث يكون رادعا للآخرين عن الظلم، فجاء المقطع تأكيدا لحقيقة الحكمة الإلهية ونظرتها البعيدة، وان هذه الحكمة قد تخفى حتى على الأنبياء أنفسهم، حيث نلاحظ في هذا المقطع ثلاثة أعمال وتصرفات يقوم بها العبد الصالح كلها تبدو في ظاهرها أنها بعيدة عن العدل والمصلحة، الامر الذي يثير استغراب موسى إلى الحد الذي يجعله يتخلى عن التزامه السابق بعدم السؤال، ثم يشرح العبد الصالح هذه الأعمال ويبين مدى انسجامها مع العدل والمصلحة العامة.
فالسياق العام للسورة هو الذي فرض الاتيان بالقصة في هذا المورد، ولا حاجة إلى تكراره في مواضع أخرى مستقلا أو في سرد الحوادث لأنه، لا يحقق الغرض الذي جئ به في هذا المورد.
الموضع العاشر:
الآيات التي جاءت في سورة مريم وهي قوله تعالى: ﴿واذكر في الكتاب موسى انه كان مخلصا وكان رسولا نبيا * وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا * ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا﴾ (1).
وقد جاءت هذه اللمحة من القصة في عرض قصصي مشترك عن الأنبياء، وذلك بصدد تعداد من أنعم الله عليهم من عباده وأنبيائه، ومقارنتهم بمن خلف بعدهم ممن أضاع الصلاة واتبع الشهوات: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا * فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة