الموضع التاسع:
الآيات التي جاءت في سورة الكهف والتي تبدأ بقوله تعالى: ﴿وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا * فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا﴾ (١) والتي تختم بقوله تعالى: ﴿وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا﴾ (٢).
ويبدو هذا المقطع منفصلا عن قصة موسى المذكورة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، لأنه يتحدث عن جانب معين من شخصية هذا الانسان يختلف عن الجوانب الأخرى التي تصورها القصة، والتي تظهر فيها شخصية موسى النبي صاحب الرسالة والدعوة الذي يجاهد من أجل التوحيد وإقامة العدل الإلهي والدفاع عن المستضعفين، أو تتحدد فيها معالم هذه الشخصية من خلال سيرته ونشأته الذاتية، أما هنا فيبدو موسى الانسان الذي يسير في طريق التعلم والحريص على تفسير الظواهر غير العادية.
وحين نلاحظ أن القرآن الكريم يأتي بهذا المقطع في سياق قوله تعالى: ﴿وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا * تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا﴾ (3) قد نستنتج أن الاتيان به كان من أجل التدليل على مدى مطابقة الحكمة الإلهية للمصلحة وانسجامها مع واقع الأشياء مهما بدت غير واضحة المقصد والهدف.