الأول: أن المقطع من القصة جاء بعد عتاب من الله سبحانه لرسوله محمد (صلى الله عليه وآله) في اجهاده لنفسه وارهاقها حتى يكاد يقتلها بسبب ان قومه لم يكونوا مؤمنين:
﴿لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين﴾ (١) وبعد هذا العتاب يذكر القرآن الكريم قانونا اجتماعيا يتحكم في التأريخ وهو أن كل ذكر جديد من الله سبحانه يحدث ردة فعل كهذه لدى الكفار حيث يقاومونه ويعرضون عنه، ولم يكن ذلك بسبب عجز الله سبحانه وعدم قدرته على اخضاعهم لرسالته وارغامهم عليها: ﴿إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين * وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين﴾ (٢).
الثاني: أن القرآن الكريم ينبه - بعد هذا التفسير العام للتأريخ - إلى أن هذا الموقف العام للكافرين تجاه الذكر لم يكن بسبب عدم توفر الدليل الصالح على صحة الرسالة: ﴿أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم * ان في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين * وان ربك لهو العزيز الرحيم﴾ (3).
الثالث: أن هذا المقطع جاء في عرض قصصي مشترك للأنبياء يتميز بطابع خاص إلى جانب هذا التفسير التأريخي للموقف العام وهو أن كل نبي نجده يبذل جهده في استعمال الأساليب المختلفة من الكلام اللين الهادئ أو التذكير بالنعم الإلهية الظاهرة التي يتمتع بها أقوامهم، وقد يعضد أقواله هذه أحيانا بآية ومعجزة سماوية تشهد له على صحة دعوته، ومع كل ذلك تكون النتيجة واحدة ويختتم بقوله تعالى: (ان في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين).
الرابع: أن القرآن الكريم بعد أن يأتي على نهاية العرض القصصي المشترك هذا