فضاء الحديبية وفي جوها لنطلع على عمق هذه الآية.
لقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد رأى رؤيا " رحمانية وإلهية " أنه دخل المسجد الحرام مع أصحابه، وعلى أثر رؤياه تحرك نحو زيارة بيت الله مع أصحابه وكان أغلب أصحابه يتوقعون أن هذه الرؤيا الصالحة سيتحقق تعبيرها في هذا السفر نفسه، لكن الذي قدره الله كان شيئا آخر! هذا كله من جانب.
ومن جانب آخر كان المسلمون قد أحرموا وجاءوا بالإبل ليهدوها أو ينحروها، ولكنهم وعلى خلاف ما توقعوا لم يوفقوا لزيارة بيت الله، وأمر النبي أن ينحروا الإبل في الحديبية التي توقفوا فيها هناك. وأن يحلوا من إحرامهم، وكان ذلك أمرا صعبا عليهم ولا يمكن تصديقه، لأن آدابهم وسننهم وتعليمات الإسلام أيضا تنص على عدم الخروج والإحلال من الإحرام ما لم يتم أداء المناسك الخاصة بالعمرة.
ومن جانب ثالث كان من مواد معاهدة الصلح في الحديبية، مادة تقضي بإعادة المسلمين من يلجأ إليهم من قريش ويعلن إسلامه ويدخل المدينة! ولا يلزم العكس، وكان هذا الموضوع صعبا على المسلمين للغاية.
ومن جانب رابع، فإن قريشا لم ترغب أن تكتب كلمة " رسول الله " التي كان يدعى بها النبي محمد وأصر ممثلها سهيل بن عمرو على حذف الكلمة من معاهدة الصلح، ولم يوافق حتى على كتابة بسم الله الرحمن الرحيم، وأصر أن يكتب مكانها " بسمك اللهم "، التي كانت تنسجم مع سنة أهل مكة، فهذه الأمور كل واحد منها كان غير مرغوب فيه، فكيف بجميعها؟ ولذلك تزلزلت قلوب بعض ضعاف الإيمان من أصحاب النبي إلى درجة أنه حين نزلت سورة إنا فتحنا قالوا أي فتح هذا؟!
هنا ينبغي أن يشمل لطف الله حال المسلمين وأن ينزل عليهم السكينة والاطمئنان وأن لا يوجد في قلوبهم الضعف والفتور فحسب، بل ليزدادوا إيمانا