قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (1).
هاتين الجملتين تبينان بوضوح مدى انحراف هؤلاء القوم وتعصبهم، فهم في الجملة الأولى يقولون: إن دعوتك كاذبة، لأنها تخالف آلهتنا التي تعودنا على عبادتها، وهي إرث ورثناه عن آبائنا.
ونراهم في الجملة الثانية يطلبون وقوع العذاب! ذلك العذاب الذي إن نزل بهم فلا رجعة معه مطلقا، وأي ذي لب يتمنى نزول مثل هذا العذاب، حتى وإن لم يكن لديه يقين بوقوعه؟
إلا أن هودا (عليه السلام) قال في رده على هذا الطلب المتهور الذي يدل على الجنون:
قال إنما العلم عند الله فهو الذي يعلم متى وفي أي ظروف ينزل عذاب الاستئصال، فلا هو مرتبط بطلبكم وتمنيكم، ولا هو تابع لرغبتي، بل يجب أن يتم الهدف ويتحقق، ألا وهو إتمام الحجة عليكم، فإن حكمته سبحانه تقتضي ذلك.
ثم يضيف: وأبلغكم ما أرسلت به فهو مهمتي الأساسية، ومسؤوليتي الرئيسية، أما اتخاذ القرار في شأن طاعة الله وأوامره فهو أمر يتعلق بكم، وإرادة نزول العذاب ومشيئته تتعلق به سبحانه.
ولكني أراكم قوما تجهلون وجهلكم هذا هو أساس تعاستكم وشقائكم، فإن الجهل المقترن بالكبر والغرور هو الذي يمنعكم من دراسة دعوة رسل الله، ولا يأذن لكم في التحقيق فيها... ذلك الجهل الذي يحملكم على الإصرار على نزول عذاب الله ليهلككم، ولو كان لديكم أدنى وعي أو تعقل لكنتم تحتملون - على الأقل - وجود احتمال إيجابي في مقابل كل الاحتمالات السلبية، والذي إذا ما تحقق فسوف لا يبقى لكم أثر.
وأخيرا لم تؤثر نصائح هود (عليه السلام) المفيدة، وإرشاداته الأخوية في قساة القلوب أولئك، وبدل أن يقبلوا الحق لجوا في غيهم وباطلهم، وتعصبوا له، وحتى نوح (عليه السلام)