ثم ذكرت الآية التالية شرحا موجزا ليوم الفصل هذا، فقالت: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون.
أجل، ذلك اليوم هو يوم الفصل والافتراق، يوم يفارق الإنسان فيه كل شئ إلا عمله، ولا يملك المولى - بأي معنى كان، الصاحب، الولي، ولي النعمة، القريب، الجار، الناصر وأمثال ذلك - القدرة على حل أصغر مشكلة من مشاكل القيامة.
" المولى " من مادة ولاء، وهي في الأصل تعني الاتصال بين شيئين بحيث لا يوجد بينهما حاجز، وله مصاديق كثيرة وردت في كتب اللغة كمعان مختلفة، تشترك جميعا في معناها الأصلي وجذرها (1).
في ذلك اليوم لا يجيب الرفيق رفيقه، وترى الأقارب لا يحل بعضهم مشكلة بعض، بل وتتبخر كل الخطط وتتقطع جميع الأواصر الدنيوية كما نقرأ هذه الصورة في الآية (46) من سورة الطور: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون.
أما ما هو الفرق بين " لا يغني " وبين " لا هم ينصرون "؟ فإن أحسن ما يقال هو:
أن الأول إشارة إلى أن أي فرد لا يقدر في ذلك اليوم على حل مشكلة فرد آخر بصورة انفرادية مستقلة، والثاني إشارة إلى أنهم عاجزون عن حل المشاكل حتى وإن تعاونوا فيما بينهم، لأن النصرة تقال في موضع يهب فيه شخص لمعونة آخر ومساندته حتى ينصره على المشاكل.
لكن هناك جماعة واحدة مستثناة فقط، وهي التي أشارت إليها الآية التالية، فقالت: إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم.
لا شك أن هذه الرحمة الإلهية لا تمنح اعتباطا، بل تشمل الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقط، وإذا كانوا قد بدر منهم زلل ومعصية، فإنها لا تبلغ حدا تقطع فيه