الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٦ - الصفحة ١٤٢
واحتمل البعض أن يكون المراد من المقام الكريم مجالس الأنس والطرب، أو المنابر التي كان يرتقيها المداحون والشعراء للثناء على فرعون.
لكن، الظاهر أن المعنى الأول أنسب من الجميع.
ولما كان هؤلاء يمتلكون وسائل رفاه كثيرة غير الأمور الأربعة المهمة التي مر ذكرها، فقد أشار القرآن إليها جميعا في جملة مقتضبة، فقال: ونعمة كانوا فيها فاكهين (1) (2).
ثم يضيف كذلك وأورثناها قوما آخرين (3).
والمراد من قوما آخرين هم بنو إسرائيل، حيث صرح بذلك في الآية (95) من سورة الشعراء. والتعبير بالإرث إشارة إلى أنهم حصلوا على كل هذه الأموال والثروات من دون أن يبذلوا أدنى جهد، أو يتحملوا أقل تعب ومشقة، كما يحصل الإنسان على الإرث دون أن يشقى ويجهد في تحصيله.
والجدير بالانتباه أن الآية المذكورة ونظيرتها في سورة الشعراء توحيان بأن بني إسرائيل قد عادوا إلى مصر بعد غرق الفراعنة وورثوا ميراثهم، وحكموا هناك، وسير الحوادث يقتضي - أيضا - أن لا يدع موسى (عليه السلام) مصر تعيش فراغا سياسيا بعد انهيار دعائم حكومة الفراعنة فيها.
لكن هذا الكلام لا ينافي ما ورد في آيات القرآن الكريم من أن بني إسرائيل قد ساروا إلى الأرض الموعودة، أرض فلسطين، بعد خلاصهم من قبضة الفراعنة، والذي جاء مفصلا في القرآن، فمن الممكن أن تكون جماعة منهم قد أقاموا في

1 - " نعمة " بفتح النون تعني التنعم، وبكسرها تعني الإنعام، وقد صرح جماعة من المفسرين وأرباب اللغة بهذا المعنى، في حين يعتقد جمع آخر أن للإثنين معنى واحدا يشمل كل المنافع التي تستحق الالتفات والنظر.
2 - فسرت كلمة " فاكهين " بالاستمتاع بالفواكه تارة، وأخر بالأحاديث الفكاهية السارة، وثالثة بالتنعم والتلذذ، والمعنى الأخير أجمع من الجميع.
3 - " كذلك " خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: الأمر كذلك، ويستعمل هذا التعبير للتأكيد. واحتمل البعض احتمالات أخرى في تركيبها.
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست