يمدوا يد الحاجة إلى غيره، ولا يضعوا طوق العبودية لغير الله في أعناقهم، وأن يتحرروا من كل تعلق آخر، ويعتمدوا على همتهم، وبهذه النظرة الشمولية يرى المؤمنون أن كل موجود في هذا العالم إنما هو من أشعة وجوده تعالى، وأن لا ينشغلوا عن (مسبب الأسباب) بالأسباب ذاتها.
جمع من الفلاسفة عدوا هذه الآية إشارة إلى البرهان المعروف " الإمكان والفقر " أو " الإمكان والوجوب " لإثبات واجب الوجود، مع أن الآية ليست في مقام بيان الاستدلال على إثبات وجود الله، بل إنها شرح لصفاته تعالى، ولكن يمكن اعتبار البرهان المذكور من لوازم مفاد هذه الآية.
3 شرح برهان الإمكان والوجوب " الفقر والغنى ":
إن جميع الموجودات التي نراها في هذا العالم كانت كلها ذات يوم " عدما "، ثم اكتست بلباس الوجود، أو بتعبير أدق: كان يوم لم تكن شيئا فيه، ثم صارت وجودا، وهذا بحد ذاته دليل على أنها معلولة في وجودها لوجود آخر، وليس لها وجود من ذاتها.
ونعلم بأن أي وجود معلول، مرتبط وقائم بعلته وكله احتياج، وإذا كانت تلك (العلة) أيضا معلولة لعلة أخرى فإنها بدورها ستكون محتاجة، ولو تسلسل هذا الأمر إلى ما لا نهاية فسوف تكون الحصيلة مجموعة من الموجودات المحتاجة الفقيرة، وبديهي أن مجموعة كهذه لن يكون لها وجود أبدا، لأن منتهى الاحتياج احتياج، ومنتهى الفقر فقر، وما لا نهاية له من الأصفار لا يمكن أن يحصل منه أي عدد، كما أنه مما لا نهاية له من المرتبطات بغيرها لا تنتج أي حالة استقلال.
من هنا نستنتج أننا في النهاية يجب أن نصل إلى وجود قائم بذاته، ومستقل من جميع النواحي، وهو علة لا معلول، وهو واجب الوجود.
هنا يثار السؤال التالي: لماذا تتعرض الآية أعلاه للإنسان وحاجته إلى الله