مقام يوسف الصديق بعد أن عبر ساحة الاختبار الكبيرة بنجاح، وأمثاله من المخلصين كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين أي نحن أظهرنا البراهين ليوسف لنبعد عنه الفحشاء والسوء، لأنه من عبادنا المخلصين (سورة يوسف - 24).
فمقام المخلصين لا يناله إلا من انتصر في الجهاد الأكبر، وشمله اللطف الإلهي بإزالة كل شئ غير خالص من وجوده، ولا تبقى فيه سوى النفس الطاهرة الخالصة - كالذهب الخالص - عند إذابتها في أفران الحوادث والاختبار. وهنا فإن مكافأتهم لا تتم وفق معيار أعمالهم، وإنما معيار مكافأتهم هو الفضل والرحمة الإلهية.
والعلامة الطباطبائي رحمة الله عليه يقول بهذا الشأن:
" يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، إن كافة الناس يأخذون مكافأة أعمالهم إلا العباد المخلصين له، لأنهم يدركون بأنهم عبيد الله، والعبد هو الذي لا يملك لنفسه شيئا من إرادة ولا عمل، فهؤلاء لا يريدون إلا ما أراده الله ولا يعملون إلا له. ولكونهم من المخلصين، فقد أخلصهم لنفسه، ولا تعلق لهم بشئ غير ذات الله تعالى. فقلوبهم خالية من حب الدنيا وزخارفها، وليس فيها إلا الله سبحانه.
ومن المعلوم أن من كانت هذه صفته كان التذاذه وتنعمه بغير ما يلتذ ويتنعم به غيره، وارتزاقه بغير ما يرتزق به سواه، وإن شاركهم في ضروريات المأكل والمشرب، ومن هنا يتأيد أن المراد بقوله: أولئك لهم رزق معلوم الإشارة إلى أن رزقهم في الجنة رزق خاص لا يشبه غيره، (وأنهم يرزقون من مظاهر ذات الله الطاهرة، وقلوبهم متعطشة اشتياقا لله، وغارقة في العشق والوصول إلى الله) (1).
* * *