في مصيرهم وتهذيب أخلاقهم ما ترك على ظهرها من دابة.
نعم لو أراد الله مؤاخذتهم على ذنوبهم لأنزل عليهم عقوبات متتالية، صواعق، وزلازل، وطوفانات، فيدمر المجرمين ولا يبقى أثرا للحياة على هذه الأرض.
ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ويعطيهم فرصة للتوبة وإصلاح النفس.
هذا الحلم والإمهال الإلهي له أبعاد وحسابات خاصة، فهو إمهال إلى أن يحل أجلهم فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا (1) فإنه تعالى يرى أعمالهم ومطلع على نياتهم.
هنا يطرح سؤالان، جوابهما يتضح مما ذكرناه أعلاه:
الأول: هل أن هذا الحكم العام ما ترك على ظهرها من دابة يشمل حتى الأنبياء والأولياء والصالحين أيضا؟
الجواب واضح، لأن المعني بأمثال هذا الحكم هم الأغلبية والأكثرية منهم، والرسل والأئمة والصلحاء الذين هم أقلية خارجون عن ذلك الحكم، والخلاصة أن كل حكم له استثناءات، والأنبياء والصالحون مستثنون من هذا الحكم. تماما مثلما نقول: إن أهل الدنيا غافلون وحريصون ومغرورون، والمقصود الأكثرية منهم، في الآية (41) من سورة الروم نقرأ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. فبديهي أن الفساد ليس نتيجة لأعمال جميع البشر، بل هو نتيجة لأعمال أكثريتهم.
وكذلك فإن الآية (32) من نفس هذه السورة، التي قسمت الناس إلى ثلاث مجموعات " ظالم " و " مقتصد " و " سابق بالخيرات " شاهد آخر على هذا المعنى.