وقد أكد القرآن الكريم في مواضع عديدة على قضية ثبات سنن الله وعدم تغيرها، وقد فصلنا الحديث في ذلك في تفسير الآية (62) من سورة الأحزاب، وبالجملة فإن في هذا العالم - عالم التكوين التشريع - ثمة قوانين ثابتة لا تتغير، عبر عنها القرآن الكريم " السنن الإلهية " والتي لا سبيل إلى تغيرها.
هذه القوانين كما أنها حكمت في الماضي فإنها حاكمة اليوم وغدا. ومجازات المستكبرين الكفرة الذين لم تنفع بهم الموعظة الإلهية من هذه السنن، ومنها أيضا نصرة أتباع الحق الذين لا ينثنون عن جدهم وسعيهم المخلص، هاتان السنتان كانتا ولا تزالان ثابتتين أمس واليوم وغدا (1).
الجدير بالملاحظة أنه ورد في بعض الآيات القرآنية الحديث عن " عدم تبديل " السنن الإلهية، الأحزاب - 62، وفي البعض الآخر الحديث عن " عدم تحويل " السنن الإلهية، سورة الإسراء - 77، ولكن الآية مورد البحث أكدت على الحالتين معا.
فهل أن هاتين الحالتين تعبير عن معنى واحد، بحيث أنهما ذكرتا معا للتأكيد، أم أن كلا منهما يشير إلى معنى مستقل؟
بمراجعة أصل اللفظين يتضح أنهما إشارة إلى معنيين مختلفين: (تبديل) الشئ، تعويضه بغيره كاملا، بحيث يرفع الأول ويوضع الثاني، ولكن (تحويل) الشئ، هو تغير بعض صفات الشئ الأول من ناحية كيفية أو كمية مع بقائه.
وعليه فإن السنن الإلهية لا تقبل الاستبدال ولا التعويض الكامل، ولا التغيير النسبي من حيث الشدة والضعف أو القلة والزيادة. من جملتها أن الله سبحانه وتعالى يوقع عقوبات متشابهة بالنسبة إلى الذنوب والجرائم المتشابهة ومن جميع الجهات، لا أن يوقع العقاب على مجموعة ولا يوقعه على مجموعة أخرى. ولا أن يوقع عقابا أقل شدة على مجموعة دون أخرى، وهكذا قانون يستند إلى أصل