فقد شمل داود بالمواهب العظيمة سواء من الناحية المادية أو المعنوية، وقد تعرض القرآن الكريم مرارا لذكرها.
ففي موضع يقول تعالى: ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين. (1) وفي موضع آخر يقول تعالى على لسان داود يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين. (2) وسترد ضمن حديثنا حول آخر هذه الآيات، معجزات مختلفة تمثل جزءا من هذا الفضل العظيم، وكذلك الصوت الباهر، والقدرة العالية على القضاء العادل التي أشير إليها في سورة (ص) تمثل لونا آخر من ذلك الفضل الإلهي، وأهم من ذلك كله النبوة والرسالة التي شرف بها داود.
وعلى كل حال، فبعد هذه الإشارة الإجمالية العامة، تبدأ الآية بشرح وتوضيح جوانب من الفضائل المعنوية والمادية التي تمتع بها داود، فيقول تعالى: يا جبال أوبي معه والطير.
كلمة " أوبي " في الأصل من " التأويب " بمعنى الترجيع وإعادة الصوت في الحلق. وهذا الأصل يستعمل أيضا بمعنى " التوبة " لأن حقيقتها الرجوع إلى الله.
ومع أن كل ذرات الوجود تذكر الله وتسبح بحمده، سواء أسبح داود (عليه السلام) معها أو لم يسبح، ولكن الميزة التي خص بها داود هي أنه ما إن يرفع صوته ويبدأ التسبيح، إلا ويظهر ما كان خفيا وكامنا في الموجودات، وتتبدل الهمهمة الباطنية إلى نغمة علنية منسجمة، كما ورد في الروايات من تسبيح الحصاة في يد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عند ذكره لقصة داود " إنه خرج يقرأ الزبور،