الإنسان تقديم هذه الخدمة، وتأمين معاشه - في حال الاستطاعة - من كد يمينه، وداود (عليه السلام) أراد أن يكون ذلك العبد الممتاز.
على كل حال، فإن داود وجه هذه القدرة التي وهبها إياه الله في أفضل الطرق وهي صناعة وسائل الجهاد والدفاع ضد الأعداء، ولم يحاول الاستفادة منها في صناعة وسائل الحياة العادية، وعلاوة على الاستفادة من دخله منها في تصريف أمور حياته المعاشية البسيطة، فقد هيأ جزءا منه للإنفاق على المحتاجين (1). وفوق كل هذا، فقد كان عمله بحد ذاته معجزة ارتبطت به.
نقل بعض المفسرين قال " حكي أن لقمان حضر داود عند أول درع عملها فجعل يتفكر فيها ولا يدري ما يريد، ولم يسأله حتى فرغ منها ثم قام فلبسها وقال: نعم جنة الحرب هذه. فقال لقمان: الصمت حكمة وقليل فاعله! " (2).
الآية التي بعدها تتعرض لشرح صناعة داود للدروع والأمر الإلهي العميق المعنى بهذا الخصوص. يقول تعالى: أن اعمل سابغات وقدر في السرد.
" سابغات ": جمع (سابغ) وهو الدرع التام الواسع، و " إسباغ النعمة " أيضا بمعنى توسيعها.
" سرد ": في الأصل بمعنى حياكة ما يخشن ويغلظ كنسج الدرع وخرز الجلد، واستعير لنظم الحديد. وجملة وقدر في السرد معناها مراعاة المقاييس المتناسبة في حلقات الدرع وطريقة نسجها. وفي الواقع فإن الله تعالى قد أمر داود بأن يكون مثالا يحتذى لكل الحرفيين والعمال المؤمنين في العالم، بمراعاته للإتقان والدقة في العمل من حيث الكم والكيف في المصنوعات، ليستطيع بالتالي مستهلكوها استعمالها براحة وبشكل جيد، والإفادة من متانتها.
يقول تعالى لداود: أن اصنع الدروع واسعة ومريحة، حتى لا تكون سجنا