وقد ورد نظير هذا التعبير في الآيات الثالثة والرابعة من سورة (ق) في قوله تعالى: أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد، قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ.
ولكن ما هو المقصود من " الكتاب المبين "؟
أغلب المفسرين قالوا بأنه " اللوح المحفوظ " ولكن السؤال هو: ما هو اللوح المحفوظ؟!
وكما ذكرنا سابقا فإن أقرب تفسير (للوح المحفوظ)، هو " لوح العلم الإلهي اللامتناهي " نعم في ذلك اللوح ضبط وقيد كل شئ، بدون أن يجد التغيير والتبديل طريقه إليه.
وعالم الوجود المترامي الأطراف، هو الآخر انعكاس عن ذلك اللوح المحفوظ، بلحاظ أن كل ذرات وجودنا وكل أقوالنا وأفعالنا، تبقى محفوظة فيه، وإن كانت الظواهر تتغير، لكنها لا تخرج عن حدها أبدا.
ثم يوضح تعالى الهدف من قيام القيامة في آيتين، أو بتعبير آخر إعطاء الدليل على لزوم مثل ذلك العالم بعد عالمنا الحالي لمنكري القيامة، فيقول تعالى:
ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم.
فإن لم يجاز المؤمنين بصالح عملهم ثوابا، أفلا يعني ذلك تعطيل أصل العدالة الذي هو أهم أصل من أصول الخلقة؟ وهل يبقى معنى لعدالة الله بدون ذلك المفهوم؟! في الوقت الذي نرى أن أغلب هؤلاء الأفراد الصالحين، لا يتلقون جزاء أعمالهم الحسنة في هذه الدنيا أبدا، إذن لابد من عالم آخر لكي يتحقق فيه هذا الأصل.
تقديم " المغفرة " على " الرزق الكريم " ربما كان سببه: أن أشد ما يقلق المؤمنين هو الذنوب التي ارتكبوها، لذا فإن الآية تطمئنهم بعرض المغفرة عليهم أولا، فضلا عن أن من لم يغتسل بماء المغفرة الإلهية لن يكون أهلا (للرزق الكريم) والمقام