ولكونه كذلك فهو يهدي إلى صراط الله، الله " العزيز " و " الحميد " أي أنه تعالى الأهل لكل حمد وثناء وفي ذات الوقت فان قدرته غاية القدرة والغلبة، وليس هو كأصحاب القدرة من البشر الذي يتعامل منطلقا من كونه على عرش القدرة بالدكتاتورية والظلم والتجاوز والتلاعب.
وقد جاء نظير هذا التعبير في الآية الأولى من سورة " إبراهيم " حيث قال جل من قائل: كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
وواضح أن من كان مقتدرا وأهلا للحمد والثناء، ومن هو عالم ومطلع رحيم وعطوف، من المحتم أن يكون طريقه أكثر الطرق اطمئنان واستقامة. فمن يسلك طريقه إنما يقترب من منبع القدرة وكل الأوصاف الحميدة.
ويعود تعالى إلى مسألة القيامة والبعث في الآية التي بعدها، ويكمل البحوث السابقة بطريقة أخرى، فيقول تعالى: وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد.
يبدو أن إصرار - هؤلاء الكفار - على إنكار مسألة المعاد يعتمد على أمرين: - الأول: توهمهم أن المعاد الذي تحدث عنه رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) وهو " المعاد الجسماني "، أمر يسهل الإشكال عليه والطعن فيه، وأن بإمكانهم تنفير الناس منه فينكرونه بسهولة.
الثاني: أن الاعتقاد بالمعاد، أو حتى القبول باحتماله - على كل حال - إنما يفرض على الإنسان مسؤوليات وتعهدات، ويضعه وجها لوجه أمام الحق، وهذا ما اعتبره رؤوس الكفر خطرا حقيقيا، لذا فقد أصروا على إلغاء فكرة المعاد والجزاء الأخروي على الأعمال من أذهان الناس. فقالوا: أيمكن لهذه العظام المتفسخة، وهذه الذرات المبعثرة، التي تعصف بها الريح من كل جانب، أن تجمع في يوم وتلبس ثوب الحياة من جديد؟