ج - إن مسألة حفر الخندق قد تمت - كما نعلم - بمشورة " سلمان الفارسي "، وكانت هذه المسألة أسلوبا دفاعيا معتادا في بلاد فارس آنذاك، ولم يكن معروفا في جزيرة العرب إلى ذلك اليوم، وكان يعتبر ظاهرة جديدة، وكانت لإقامته في أطراف المدينة أهمية عظيمة، سواء من الناحية العسكرية، أم من جهة إضعاف معنويات العدو ورفع معنويات المسلمين.
ولا توجد لدينا معلومات دقيقة عن صفات الخندق ودقائقه، فقد ذكر المؤرخون أنه كان من العرض بحيث لا يستطيع فرسان العدو عبوره بالقفز، ومن المحتم أن عمقه أيضا كان بالقدر الذي إذا سقط فيه أحد لم يكن يستطيع أن يخرج من الطرف المقابل بسهولة.
إضافة إلى أن سيطرة رماة المسلمين على منطقة الخندق كان يمكنهم من جعل كل من يحاول العبور هدفا وغرضا لسهامهم في وسط الخندق وقبل عبوره.
وأما من ناحية الطول فإن البعض قد قدره بإثني عشر ألف ذراع (ستة آلاف متر) استنادا إلى الرواية المعروفة التي تقول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أمر أن يحفر كل عشرة رجال أربعين ذراعا من الخندق، وبملاحظة أن عدد جنود المسلمين - طبقا للمشهور - بلغ ثلاثة آلاف رجل.
ولابد من الاعتراف بأن حفر مثل هذا الخندق، وبالآلات البدائية المستعملة في ذلك اليوم كان أمرا مضنيا وجهدا، خاصة وأن المسلمين كانوا في ضيق شديد وحاجة ملحة من ناحية الزاد والوسائل الأخرى.
ومن المسلم أن حفر الخندق قد استغرق مدة لا يستهان بها، وهذا يوحي بأن جيش المسلمين كان قد قدر وخمن وتوقع التوقعات اللازمة بدقة كاملة قبل أن يهجم العدو بحيث أن حفر الخندق كان قد تم قبل ثلاثة أيام من وصول جيش الكفار.