بسبب كثرة ذنوبهم، ولأنهم لا يعلمون شيئا... إذ تقول: كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون.
وكلمة " يطبع " مأخوذة من الطبع، ومعناها ختم الشئ، وهي إشارة إلى ما كان يجري في السابق، وهو جار أيضا اليوم إذ يختم على الشئ كيلا يتصرف به ويغلق بإحكام، وقد يضعون عليه القفل ويضربون عليه مادة لزجة مختومة بإشارة معينة كما بينا بحيث لا يمكن فتح ذلك الشئ إلا بكسره، فيفتضح أمره بسرعة.
وكان القرآن استعمل هذا التعبير كناية عن القلوب التي لا ينفذ إليها النصح، والذين فقدوا الوجدان والعقل والعلم، ولا أمل في هدايتهم.
ومما يسترعي الانتباه أن في الآيات السابقة ذكر العلم أساسا للإيمان، وفي هذه الآية ذكر الجهل أساسا للكفر وعدم التسليم للحق.
أما آخر آية - من الآيات محل البحث - التي تقع في آخر سورة الروم، فهي تأمر النبي (صلى الله عليه وآله) أمرين مهمين، وتبشره بشارة كبرى، لتحثه على مواصلة الوقوف والتصدي للمشركين والجاهلين والسفهاء بالاستقامة والصبر.
تقول أولا: إذا كان الأمر كذلك، فعليك بالصبر والاستقامة امام الحوادث المختلفة، وفي مقابل أنواع الأذى والبهتان والمصاعب فاصبر.
لأن الصبر والاستقامة هما مفتاح النصر الأصيل.
وليكون النبي (صلى الله عليه وآله) أكثر اطمئنانا، فإن الآية تضيف إن وعد الله حق فقد وعدك والمؤمنين بالنصر، والاستخلاف في الأرض، وغلبة الإسلام على الكفر، والنور على الظلمة، والعلم على الجهل. وسوف يلبس هذا الوعد ثوب العمل!.
وكلمة " الوعد " هنا إشارة إلى الوعود المكررة التي وعدها القرآن في انتصار المؤمنين، ومن ضمنها الآية (47) من هذه السورة وكان حقا علينا نصر المؤمنين.
والآية (51) من سورة غافر إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا