والفارق الوحيد الذي نلاحظه هنا عن بقية السور، ويلفت النظر، هو أنه خلافا لكثير من السور التي تبدأ بالحروف المقطعة، التي يأتي الحديث بعدها على عظمة القرآن الكريم، بل بحثا عن اندحار الروم وانتصارهم في المستقبل، ولكن مع التدقيق يتضح أن هذا البحث يتحدث عن عظمة القرآن الكريم أيضا...
لأن هذا الخبر الغيبي المرتبط بالمستقبل هو من دلائل إعجاز القرآن، وعظمة هذا الكتاب السماوي!.
يقول القرآن بعد الحروف المقطعة غلبت الروم في أدنى الأرض وهم قريب منكم يا أهل مكة، إذ أنهم في شمال جزيرة العرب، في أراضي الشام في منطقة بين " بصرى " و " أذرعات ".
ومن هنا يعلم بأن المراد من الروم هنا هم الروم الشرقيون، لا الروم الغربيون.
ويرى بعض المفسرين كالشيخ الطوسي في تفسير " التبيان " - أن من المحتمل أن يكون المراد بأدنى الأرض المكان القريب من بلاد فارس، أي إن المعركة وقعت في أقرب نقطة بين الفرس والروم. (1) وصحيح أن التفسير الأول معه الألف واللام للعهد - في " الأرض " مناسب أكثر، ولكن ومن جهات متعددة - كما سنذكرها - يبدوا أن التفسير الثاني أصح من الأول!
ويوجد هنا تفسير ثالث، ولعله لا يختلف من حيث النتيجة مع التفسير الثاني، هو أن المراد من هذه الأرض - هي أرض الروم، أي إنهم غلبوا في أقرب حدودهم مع بلاد فارس، وهذا يشير إلى أهمية هذا الاندحار وعمقه، لأن الاندحار في المناطق البعيدة والحدود المترامية البعد ليس له أهمية بالغة، بل المهم أن تندحر دولة في أقرب نقاطها من حدودها مع العدو، إذ هي فيها أقوى وأشد من غيرها.