موارد يكون الإنسان قد أدى عملا فوق ما ينتظره الطرف الآخر، وهو غافل عنه أو يتغافل عنه، كأن يقول مثلا: لم أحصل على الخدمة الفلانية، في حين أن الخدمة التي قدمت إليه - كما في هذه الحال - أكبر خدمة، إلا أنه لا يعتبرها شيئا، ونقول له: أو لم يكفك ما قدمناه؟!
ثم بعد هذا كله ينبغي أن تكون المعجزة منسجمة مع ظروف " الزمان والمكان وكيفية دعوة النبي " فالنبي الذي يدعوا إلى مبدأ خالد، ينبغي أن تكون معجزته خالدة أيضا.
والنبي الذي تستوعب دعوته العالم وتستوعب القرون والأعصار المقبلة، لابد له من أن يأتي بمعجزة نيرة " روحية وعقلانية " ليجلب إليه أفكار جميع العلماء والمفكرين، ومن المسلم به أن مثل هذا الهدف يتناسب مع القرآن، لا عصى موسى ولا يده البيضاء.
وفي نهاية الآية يضيف القرآن للتأكيد والتوضيح بصورة أجلى، فيقول: إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون.
" ذلك " هنا إشارة إلى الكتاب المنزل من السماء، وهو القرآن.
أجل، إن القرآن رحمة " وسيلة " للذكرى والتذكر أيضا، فهو للمؤمنين الذين فتحوا قلوبهم بوجه الحقيقة، والذين يبتغون النور والطريق السوي هو لهم رحمة إلهية يحسونها بكل وجودهم، ويشعرون بالاطمئنان والدعة عنده.. وكلما قرأوا آياته تذكروا، فهي لهم ذكرى وأية ذكرى؟!
ولعل الفرق بين " الرحمة " و " الذكرى " أن القرآن ليس معجزة وذكرى فحسب، بل هو إضافة إلى كل ذلك يحتوي على القوانين التي تمنح الرحمة والمناهج التربوية والإنسانية.
فمثلا كانت عصى موسى معجزة فحسب، إلا أنها لم يكن لها أثر في حياة الناس اليومية، غير أن القرآن معجزة، هو في الوقت ذاته منهج كامل الحياة ورحمة أيضا.