كما يتضح أن المراد بقول: من يشاء هو المشيئة الإلهية المقرونة بحكمته، أي كل من كان جديرا ومستحقا لذلك.. فإن مشيئة الله ليست عبثا، بل منسجمة مع الاستحقاق والجدارة!.
وجملة " تنقلبون " من مادة " القلب " ومعناها في الأصل: تغيير الشئ من صورة إلى صورة أخرى، وحيث أن الإنسان في يوم القيامة يعود إلى هيئة الموجود الحي الكامل بعد أن كان ترابا لا روح فيه، فقد ورد هذا التعبير في إيجاده ثانية أيضا.
ويمكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى هذه اللطيفة الدقيقة - أيضا - وهي أن الإنسان يتبدل في الدار الأخرى ويتغير تغيرا ينكشف باطنه به وتتجلى أسراره الخفية، وبهذا فهي تنسجم مع الآية (9) من سورة الطارق يوم تبلى السرائر.
وإكمالا لهذا البحث الذي يبين أن الرحمة والعذاب هما بيد الله والمعاد إليه، يضيف القرآن: إذا كنتم تتصورون أنكم تستطيعون أن تهربوا من سلطان الله وحكومته ولا يمسكم عذابه، فأنتم في خطأ كبير... فليس الأمر كذلك! وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء (1).
وإذا كنتم تتصورون أنكم تجدون من يدافع عنكم وينصركم هناك، فهذا خطأ محض أيضا وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير.
وفي الحقيقة، فإن الفرار من قبضة الله وعذابه، إما بأن تخرجوا من حكومته، وإما بأن تعتمدوا مع بقائكم في حكومته على قدرة الآخرين لتدافعوا عن أنفسكم، فلا الخروج ممكن، لأن البلاد كلها له وعالم الوجود كله ملكه الواسع، ولا يوجد أحد يستطيع أن يقف أمام قدرته وينهض للدفاع عنكم.