والتعبير ب حتى يبعث في أمها رسولا إشارة إلى عدم لزوم إرسال الرسل إلى جميع المدن، بل يكفي أن يبعث في مركز كبير من مراكزها التي تنشر العلوم والأخبار رسولا يبلغهم رسالاته! لأن أهل تلك المناطق في ذهاب وإياب مستمر إلى المركز الرئيسي، لحاجتهم الماسة، وما أسرع أن ينتشر الخبر الذي يقع في المركز إلى بقية الأنحاء القريبة والبعيدة، كما انتشرت أصداء بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) التي كانت في مكة - وبلغت جميع أنحاء الجزيرة العربية في فترة قصيرة! لأن مكة كانت أم القرى، وكانت مركزا روحانيا في الحجاز، كما كانت مركزا تجاريا أيضا.. فانتشرت أخبار النبي (صلى الله عليه وآله)، ووصلت جميع المراكز المهمة في ذلك الحين وفي فترة قصيرة جدا.
فعلى هذا تبين الآية حكما كليا وعاما، وما يدعيه بعض المفسرين من أنها إشارة إلى " مكة " لا دليل عليه، والتعبير ب في أمها هو تعبير عام كلي أيضا.. لأن كلمة " أم " تعني المركز الأصلي، ولا يختص هذا بمكة فحسب (1).
وأخر آية من هذا المقطع محل البحث تحمل الرد الثالث على أصحاب الحجج الواهية، الذين كانوا يقولون للنبي (صلى الله عليه وآله): ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ويبعدنا العرب من ديارنا، وهو قوله تعالى: وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى مما عندكم من النعيم الفاني.. إذ أن نعم الدنيا تشوبها الأكدار والمشاكل المختلفة، ولس من نعمة مادية خالية من الضرر والخطر أبدا.
إضافة إلى ذلك فإن النعم التي عند الله " الباقية " لا تقاس مع النعم الدنيوية الزائلة، فنعم الله - إذن - خير وأبقى!.
فبموازنة بسيطة يعرف كل إنسان عاقل أنه لا ينبغي أن يضحي بنعم الآخرة