فنقول جوابا على ذلك:
أولا: مع جميع هذه الأمور ما تزال مكة أكثر أمنا من النقاط الأخرى.. وكان العرب يحترمونها ويقدسونها، وبالرغم من أنهم كانوا يقدمون على جرائم متعددة في أماكن أخرى، إلا أنهم كانوا يحجمون عن الإتيان بمثلها في مكة.
والخلاصة: فمع عدم الأمن العام والكلي كانت مكة تتمتع بالأمن النسبي ولا سيما أن الأعراب خارجها كانوا يراعون أمنها وقداستها.
ثانيا: صحيح أن هذه الأرض التي جعلها الله حرما آمنا أضحت لفترة وجيزة غير آمنة على أيدي جماعة... إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مركز كبير للأمن وتواتر النعم الكثيرة المتعددة، فعلى هذا لم يكن تحمل هذه الصعاب المؤقتة من أجل الوصول للنعم العظيمة، أمرا عسيرا ومعقدا.
وعلى كل حال، فإن كثيرا ممن يقلقون على منافعهم الشخصية، كالحارث بن نوفل، لا يسلكون سبيل الهداية والإيمان... في حين أن الإيمان بالله والتسليم لأمره، لا يؤمن المنافع المعنوية لهم فحسب، بل يؤمن لهم المحيط الصحيح والمنافع المادية المشروعة وما إلى ذلك. وعدم الأمن والغارات والحروب التي نجدها في عصر التمدن - كما يصطلح عليه - وفي الدنيا البعيدة عن الإيمان والهداية، كل هذه الأمور شاهد حي على هذا المدعى!.
ومن الضروري الالتفات إلى هذه النقطة الأساسية، وهي أن الله سبحانه أول ما يذكر من نعمه نعمة الأمن، ثم يذكر جلب الثمرات والأرزاق وغير ذلك من جميع الأنحاء إلى مكة، ويمكن أن يكون هذا التعبير مبينا هذا الواقع، وهو: طالما كان الأمن حاكما في بلد كان اقتصاده جيدا، وإلا فلا، " قد بينا هذا الأمر في بحثنا للآية 35 سورة إبراهيم ".
كما أن الجدير بالذكر أن " يجبى " جاءت على صيغة الفعل المضارع الذي يدل على الاستمرار في الحال والاستقبال، ونحن اليوم وبعد مرور أربعة عشر