فيختلف النهار والليل فيها عددا وفي الطول والقصر بحسب القرب من النقطة الاستوائية ومن القطبين، وهذا كله مشروح مبين في العلوم المربوطة بها.
وهذا الاختلاف هو الموجب لاختلاف ورود الضوء والحرارة، وهو الموجب لاختلاف العوامل الموجبة لاختلاف حدوث التراكيب الأرضية والتحولات في كينونتها مما ينتفع باختلافها الانسان انتفاعات مختلفة.
قوله تعالى: والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، والفلك هو السفينة يطلق على الواحد والجمع، والفلك والفلكة كالتمر والتمرة والمراد بما ينفع الناس المتاع والرزق تنقلها من ساحل إلى ساحل ومن قطر من أقطار الأرض إلى قطر آخر.
وفي عد الفلك في طي الموجودات والحوادث الطبيعية التي لا دخل لاختيار الانسان فيها كالسماء والأرض واختلاف الليل والنهار دلالة على أنها أيضا تنتهي مثلها إلى صنع الله سبحانه في الطبيعة فان نسبة الفعل إلى الانسان بحسب الدقة لا تزيد على نسبة الفعل إلى سبب من الأسباب الطبيعية، والاختيار الذي يتبجح به الانسان لا يجعله سببا تاما مستقلا غير مفتقر إلى إرادة الله سبحانه ولا يجعله أقل احتياجا إليه تعالى بالنسبة إلى سائر الأسباب الطبيعية، فلا فرق من حيث الاحتياج إلى إرادة الله سبحانه بين أن يفعل قوة طبيعية في مادة فتوجد بالفعل و الانفعال والتحريك والتركيب والتحليل صورة من الصور كصورة الحجارة مثلا، وبين أن يفعل الانسان بالتحريك والتقريب والتبعيد في المادة صورة من الصور كصورة السفينة مثلا في أن الجميع تنتهي إلى صنع الله وايجاده لا يستقل شئ مستغنيا عنه تعالى في ذاته وفعله.
فالفلك أيضا مثل سائر الموجودات الطبيعية تفتقر إلى الاله في وجودها وتفتقر إلى الإله في تدبير أمرها من غير فرق، وقد أشار تعالى إلى هذه الحقيقة بقوله: (والله خلقكم وما تعملون) الصافات - 96، حيث حكاه من إبراهيم فيما قاله لقومه في خصوص الأصنام التي اتخذوها آلهة فان من المعلوم أن الصنم ليس إلا موجودا صناعيا كالفلك التي تجري في البحر، وقال تعالى: (وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام) الرحمن - 24، فعدها ملكا لنفسه، وقال تعالى: (وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره) إبراهيم - 32، فعد تدبير أمرها راجعا إليه.