حاجته المادية وتدبير وجوده وبقائه - والله من ورائهم محيط - فإلهها الموجد لها المدبر لأمرها هو إله الانسان الموجد له والمدبر لامره (وهذا هو البرهان الثالث).
ثم إن هذا الاله هو الذي يعطي كلا ما يحتاج إليه في سعادته الوجودية وما يحتاج إليه في سعادته في غايته وآخرته لو كان له سعادة أخروية غائية فإن الآخرة عقبى هذه الدار، وكيف يمكن أن يدبر عاقبة الامر غير الذي يدبر نفس الامر؟
(وهذا هو البرهان على الاسمين الرحمن الرحيم).
وعند هذا تم تعليل الآية الأولى بالثانية وفي تصدير الآية بلفظة، إن، الدالة على التعليل إشارة إلى ذلك - والله العالم -.
فقوله تعالى: إن في خلق السماوات والأرض، إشارة إلى ذوات الاجرام العلوية والأرض بما تشتمل عليه تراكيبها من بدائع الخلق وعجائب الصنع، من صور تقوم بها أسماؤها، ومواد تتألف منها ذواتها، وتحول بعضها إلى بعض، ونقص أو زيادة تطرئها وتركب أو تحلل يعرضها، كما قال: (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) الرعد - 41، وقال: (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي) الأنبياء - 30.
قوله تعالى: واختلاف الليل والنهار، وهو النقيصة والزيادة والطول والقصر العارضان لهما من جهة اجتماع عاملين من العوامل الطبيعية، وهي الحركة اليومية التي للأرض على مركزها وهي ترسم الليل والنهار بمواجهة نصف الكرة وأزيد بقليل دائما مع الشمس فتكتسب النور وتمص الحرارة، ويسمى النهار، واستتار الشمس عن النصف الآخر وأنقص بقليل فيدخل تحت الظل المخروطي وتبقى مظلما وتسمى الليل، ولا يزالان يدوران حول الأرض، والعامل الآخر ميل سطح الدائرة الاستوائية أو المعدل عن سطح المدار الأرضي في الحركة الانتقالية إلى الشمال والجنوب، وهو الذي يوجب ميل الشمس من المعدل إلى الشمال أو الجنوب الراسم للفصول، وهذا يوجب استواء الليل والنهار في منطقة خط الاستواء وفي القطبين، أما القطبان فلهما في كل سنة شمسية تامة يوم وليلة واحدة كل منهما يعدل نصف السنة، و الليل في قطب الشمال نهار في قطب الجنوب وبالعكس، وأما النقطة الاستوائية فلها في كل سنة شمسية ثلاثمائة وخمس وستون ليلا ونهارا تقريبا، والنهار والليل فيها متساويان، وأما بقية المناطق