نعم حملهم على هذا الزعم ما تلقوه: من جمع من أرباب النحل الباحثين عن هذه المسألة وأمثالها في فلسفة عامية كانت تنشرها الكنيسة في القرون الوسطى.
أو يعتمد عليها الضعفاء من متكلمي الأديان الأخرى وكانت مؤلفة من مسائل محرفة ما هي بالمسائل، واحتجاجات واستدلالات واهية فاقدة لاستقامة النظر.
فهؤلاء لما أرادوا بيان دعواهم الحق (الذي يقضي بصحته إجمالا عقولهم) ونقله من الاجمال إلى التفصيل دفعهم ضعف التعقل والفكر إلى غير الطريق فعمموا الدعوى، وتوسعوا في الدليل، فحكموا باستناد كل معلول مجهول العلة إلى الله سبحانه من غير واسطة، ونفوا حاجة الأفعال الاختيارية إلى علة موجبه، أو احتياج الانسان في صدور فعله الاختياري إلى الاله تعالى، واستقلاله في فعله، وقد مر البحث عن قولهم في الكلام على قوله تعالى: (وما يضل به إلا الفاسقين) البقرة - 26، ونورد هيهنا بعض ما فيه من الكلام.
وطائفة منهم - وهم بعض المحدثين والمتكلمين من ظاهريي المسلمين وجمع من غيرهم - لم يقدروا أن يتعقلوا معنى صحيحا لاسناد أفعال الانسان الاختيارية إلى الله سبحانه على ما يليق بالمقام الربوبي فنفوا استناد مصنوعات الانسان إليه سبحانه، وبالخصوص فيما وضعه للمعصية خاصة كالخمر وآلات اللهو والقمار وغير ذلك، وقد قال تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) المائدة - 90، ومعلوم أن ما عده الله سبحانه عملا للشيطان لا يجوز أن ينسب إليه.
وقد مر فيما تقدم ما يظهر به بطلان هذا التوهم نقلا وعقلا، فالافعال الاختيارية كما أن لها انتسابا إلى الله سبحانه على ما يليق به تعالى كذلك نتائجها وهي الأمور الصناعية التي يصنعها الانسان لداعي رفع الحوائج الحيوية.
على أن النصاب الواقعة في الآية السابقة هي الأصنام والتماثيل المنصوبة المعبودة التي ذكر الله سبحانه أنها مخلوقة له في قوله: (والله خلقكم وما تعملون الآية، ومن هيهنا يظهر أن فيها جهات مختلفة من النسب ينسب من بعضها إلى الله سبحانه وهي طبيعة وجودها مع قطع النظر عن وصف المعصية المتعلق بها، فإن الصنم ليس بحسب الحقيقة إلا حجرا أو فلزا عليه شكل خاص وليس فيه ما يوجب نفي انتسابه إلى موجد كل شئ، واما أنه صنم معبود دون الله سبحانه فهذه هي الجهة التي يجب