الغاية - وهي سعادة الآخرة - فهذه حقائق حقة، وفي خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار إلى آخر ما ذكر في الآية آيات دالة عليها عند قوم يعقلون.
ولو كان المراد إقامة الحجة على وجود إله الانسان أو أن اله الانسان واحد لما كان الجميع إلا آية واحدة دالة على ذلك من طريق اتصال التدبير، ولكان حق الكلام في الآية السابقة أن يقال: وإلهكم واحد لا إله إلا هو، فالآية مسوق للدلالة على الحجة على وجود الاله وعلى وحدته بمعنى أن إله غير الانسان من النظام الكبير واحد وأن ذلك بعينه إله الانسان.
وإجمال الدلالة أن هذه السماوات التي قد علتنا وأظلتنا على ما فيها من بدائع الخلقة، والأرض التي قد أقلمنا وحملنا مع عجيب أمرها وسائر ما فيها من غرائب بالتحولات والتقلبات كاختلاف الليل والنهار، والفلك الجارية، والأمطار النازلة، والرياح المرفة، والسحب المسخرة أمور مفتقرة في نفسها إلى صانع موجد، فلكل منها إله موجد (وهذا هو الحجة الأولى).
ثم إن هذه الاجرام الجوية المختلفة بالصغر والكبر والبعد والقرب (وقد وجد الواحد في الصغر على ما بلغة الفحص العلمي ما يعادل:
33.... ر. من سانتيمتر مكعب والواحد في الكبر ما يعادل الملأ بين من حجم الأرض وهو كرة يعادل قطرها 9000 ميلا تقريبا، واكتشف من المسافة بين جرمين علويين ما يقرب من ثلاثة ملايين سنة نورية، والسنة النورية من المسافة تعدل 365 × 24 × 60 × 60 × 300000 كيلومتر تقريبا)، فانظر إلى هذه الأرقام التي تدهش اللب وتبهت الفكر واقبض ما أنت قاض في غرابة الامر وبداعته تفعل البعض منها في البعض، وتنفعل البعض منها عن البعض أينما كانت وكيفما كانت بالجاذبة العامة، وإفاضة النور والجرارة وتحيي بذلك سنة الحركة العامة والزمان العمومي، وهذا نظام عام دائم تحت قانون ثابت، حتى أن النسبية العمومية القاصية بالتغير في قوانين الحركة في العالم الجسماني لا تتجافى عن الاعتراف بأن التغيير العمومي أيضا محكوم قانون آخر ثابت في التغير والتحول، ثم إن هذه الحركة والتحول العمومي تتصور في كل جزء من أجزاء العالم بصورة خاصة كما بين الشمس التي