والمجموع من حيث المجموع مفتقر عندهم إلى علة خارجة، فما يثبته أولئك غير ما ينفيه هؤلاء.
فالمثبتون - ولم يقدر البحث والتاريخ على تعيين مبدء لظهورهم في تاريخ حياة النوع الانساني - أثبتوا لجميع العالم صانعا واحدا أو كثيرا (وان كان القرآن يثبت تقدم دين التوحيد على الوثنية، وقد بين ذلك الدكتور ماكس موللر الألماني المستشرق صاحب التقدم في حل الرموز السنسكريتية) وهم حتى الانسان الأولى منهم يشاهدون العلل في بعض الحوادث المادية، فإثباتهم، إلها صانعا لجميع العالم استنادا إلى قانون العلية العام ليس لأجل أن يستريحوا في مورد الحوادث المجهولة العلل حتى ينتج ذلك القول باحتياج بعض العالم إلى الاله واستغناء البعض الآخر عنه، بل لاذعانهم بأن هذا العالم المؤلف من سلسلة علل ومعلولات طبيعية بمجموعها ووحدانيتها لا يستغني عن الحاجة إلى علة فوق العلل تتكي عليها جميع التأثيرات والتأثرات الجارية بين اجزائه، فإثبات هذه العلة العالية لا يبطل قانون العلية العام الجاري بين اجزاء العالم أنفسها، ولا وجود العلل المادية في موارد المعلولات المادية تغني عن استنادها الجميع إلى علة عالية خارجة من سلسلتها، وليس معنى الخروج وقوف العلة في رأس السلسلة، بل إحاطتها بها من كل جهة مفروضة.
ومن عجيب المناقضة في كلام هؤلاء أنهم قائلون في الحوادث - ومن جملتها الافعال الانسانية - بالجبر المطلق فما من فعل ولا حادث غيره إلا وهو معلول جبري لعلل عندهم، وهم مع ذلك يزعمون أن الانسان لو خلق إنسانا آخر كان غير منته إلى علة العالم لو فرض له علة.
وهذا المعنى الذي قلنا - على لطفة ودقته وإن لم يقدر على تقريره الفهم العامي الساذج لكنه موجود على الاجمال في أذهانهم حيث قالوا باستناد جميع العالم بأجمعه إلى الاله الصانع - وفيه العلل والمعلولات فهذا - أولا.
ثم إن البراهين العقلية التي أقامتها الإلهيون من الحكماء الباحثين أقاموها بعد إثبات عموم العلية وبنوا فيها على وجوب انتهاء العلل الممكنة إلى علة واجبة الوجود، واستمروا على هذا السلك من البحث منذ الوف من السنين من أقدم عهود الفلسفة إلى